43

شارع حلفاويين بمدينة تونس.

وبنى الوزير المشهور يوسف صاحب الطابع حوالي عام 1800م المسجد الذي يحمل اسمه في ميدان الحلفاويين، ولعله أقيم في موضع «المسجد المعلق على الحلفاويين» كما يتضح من رواقه الخارجي المرتفع، وبنى في الحي نفسه نافورة الحلفاويين عام 1804م داخل باب سيدي عبد السلام، وبنى في الطرف الآخر من المدينة حوضا كبيرا للماء داخل باب اللواء.

وفرغ مولاه حمودة باشا من بناء «دار الباي» فوق القصبة بقليل، وقد وقف جهده على بناء الحصون والثكنات، ورأى أن يحمي تونس من أهل الجزائر خاصة، فطلب من مهندس هولندي أن يعمر أسوارها الخارجية، ولم يكمل هذا العمل من جانبه الجنوبي، واستغرق من عام 1797 إلى عام 1804م كما يستدل من الكتابات المنقوشة على الأبراج التي تكتنف الأبواب، واستعيض عنها في هذا الجانب بالمتاريس الأمامية التي بناها علي باشا، وبجدران المنازل الخارجية التي يتكون منها خط دفاعي متصل، وشيد حمودة في عام 1798م الثكنات على طول الطريق المجاور لقصره الخلوي البديع في المنوبية، وبنى غيرها في أخريات أيامه عام 1814م في وسط سوق العطارين (وهي تضم الآن دار الكتب العامة، وإدارة العاديات). وفي العهد نفسه شيدت ثكنات أخرى في المدينة، في شارع القشلة؛ أي الثكنة (وهو الآن الجمعية الفرنسية للبر)، وشارع الكنيسة (وهو الآن إدارة الأوقاف)، وشارع منكويت، وشارع سيدي ابن زياد، وأكبرها ثكنة الفرقة الأولى «برنجي آلاي»، وقد بناها الباي حسين بن محمود، ثم أخوه مصطفى بالقرب من المركاض في موضع المصلى القديمة، وبنى أحمد باي عام 1839م مخزنا للمدفعية خارج المدينة، ويعد أحمد باي خالق «الجيش التونسي».

وقد قنع بأن يطلب في مناسبتين (1743 و1744م) سباكا من طولون لإصلاح عدة مدافع في مصنع للطوارئ، أما حمودة باشا فأنشأ مسبكا دائما في جناح من قصر الحفصية، يشرف عليه بعض الفرنسيين، ثم نظم أحمد باي الدبدابة التي يصنع فيها الخبز والزيت للجيش، والظاهر أن هذه المشروعات العسكرية قد عملت على تحويل تونس إلى حامية عسكرية، وأخذت المحلة الأوروبية في الوقت نفسه تحتل جانبا من المدينة، وكانت تنمو نموا مطردا لا يعوقها عائق بفضل احتلال الفرنسيين للجزائر عام 1830م والإصلاحات التي قام بها البايات، ففتح النصارى الدكاكين، وشيدت الكنائس، وفتحت المدرسة الإيطالية في سولمة عام 1831م، والمدرسة اليهودية عام 1840م في مربرجو، وكلية بورجاد عام 1841م، وأصبح حي ميدان البورصة بأسره أوروبيا خالصا (وسمي حديثا باسم ميدان الكردينال لافيجري)، وكذلك الشارع الحالي للديوان القديم، وشارع جلاسييه، وشارع القومسيون، وأخذت المدينة الحديثة تتسع خارج الأسوار متجهة ناحية البحيرة، ومن ثم نقلت قنصلية فرنسا عام 1861م إلى الدار التي يشغلها الآن المقيم العام، ومع هذا فقد بقيت بعض القنصليات داخل المدينة، وهي قنصلية إسبانيا (في شارع سيدي البوني)، وقنصلية بريطانيا العظمى (في ميدان الكردينال لافجري) وقنصلية إيطاليا (شارع زركون)، وقوي بأس الأوروبيين حتى تأثرت به آخر الأمر إدارة المدينة نفسها، وكان لكل من الربضين أيام الحفصيين شيخ يقوم عليه، ولعلهما كانا تحت إشراف شيخ المدينة، وقد بقي هؤلاء الشيوخ في عهد الأتراك، وكانوا يقومون على خفارة المدينة بعد أن تغلق أبوابها ليلا، تعاونهم جماعات من السكان تتناوب العمل فيما بينها، ويتبع هؤلاء «المحركون» وهم شيوخ الأحياء، وكانت شرطة النهار أيام الحسينية من عمل الدولتلي، وكان يقوم بمنصب رئيس البوليس في القاعة المستطيلة المعروفة ب «دريبة » في شارع سيدي ابن عروس، أما القصبة فكانت إدارتها منفصلة تحت إشراف أغا.

ومع ذلك فقد ألف مجلس بلدي عام 1858م يضم رئيسا، ووكيلا، وكاتب سر، واثني عشر عضوا من الأعيان، وكان يزود بالمال من ضريبة تفرض على الخمر والكحول، وحل محل الدولتلي عام 1860م «فريق» يرأس الضبطية، وقد بذل جهد كبير لتساير المدينة العصر، فمرر خط للبرق يصل بينها وبين الجزائر، وخط حديدي يصلها بحلق الوادي، كما زودت المدينة بالمجاري، وقام المهندس الفرنسي كولان بجلب الماء إليها من زغوان، وحل برج الماء محل الصهريج المغطى الذي كان قائما في القرن السابق بجوار باب سيدي عبد الله.

وبنيت من أماكن العبادة زاوية سيدي إبراهيم الرياحي، وأنشئ المعهد الصادقي (في ثكنات شارع الكنيسة) نسبة إلى الباي محمد الصادق، ثم بني المارستان الصادقي، وكان قصر الزورق هو الذي أقام فيه الدايات أول الأمر (في شارع القضاة)، وفي عام 1876م عمر وزير من وزراء الباي دار الحسين (وهو الآن قصر الفريق) الذي بني في القرن الثامن عشر، وظل قصر خير الدين، وهو قصر الحفصية القديم بعد توسيعه مقر المحكمة زمانا في مستهل أيام الحماية (وهو في شارع المحكمة)، أما قصر مصطفى بن إسماعيل فكان في شارع الباشا، وأصبح قصر الخازندار مارستان اليهود، وهو الآن مهجور، ومما يجدر ملاحظته أنه لما ثار أبناء الحسين في وجه علي باشا في منتصف القرن السابق، عني الباي بحي الحلفاويين الذي كان يسكنه «الحسينية» الموالون له.

وأحدث الاحتلال الفرنسي (من عام 1881م) تطورات خطيرة في تونس، وتمتد المدينة الأوروبية من باب فرنسا - وهو باب البحر القديم - إلى البحيرة؛ حيث الأرصفة والمراسي، ومن البلفدير إلى الجلاز، ثم تمتد في الحي الجنوبي داخل الأسوار وخارجها فتغطي روابي مونفليري، والسور الخارجي باق إلى اليوم، أما سور المدينة فقد اندثر أو كاد، ولم يبق منه سوى أبواب قليلة، وعمرت القصبة تعميرا كاملا، وهي الآن ثكنات للجند، وتشغل الإدارة الداخلية دار الباي، وتشغل الإدارات الأخرى مع المعهد الصادقي وقصر العدلية بنايات حديثة تمتد على طول شارع البنات من ميدان القصبة، وتسير مركبات الكهرباء «الترام» حول المدينة، ولكنها لا تجوس خلالها، وقد بذلت الجهود؛ لكي تحتفظ المدينة بطابعها الشرقي، وهناك بنايات تستعمل في غير ما أنشئت له، بيد أن المظهر العام للمدينة لا يزال كما كان منذ خمسين سنة، وينحصر التعليم الديني في المسجد الكبير، وقد عمرت مئذنته تعميرا كاملا عام 1894م، وأنشأ المقيم الفرنسي مليه المدرسة الخلدونية في سوق العطارين؛ ليتعلم فيها فتيان المسلمين مبادئ العلوم الحديثة.

ولا تزال الحرف الوطنية تتجمع في الأسواق، لكل حرفة منها «أمين»، ويزور بعضها كثير من السائحين، فتنشط حركة التجارة؛ لأنهم يبتاعون الأدوات «الشرقية» والعطور والبسط والسلع المصنوعة من الجلد، ويصيح المنادون في سوق الكتبيين وسوق البركة على الكتب والحلي، وقد هجر الحي اليهودي الحقير أهلوه الذين يستطيعون الإقامة بجوار ميدان بوتييه أو في المدينة الأوروبية، وسوف تقوم عن قريب في هذا الحي البنايات الحديثة والطرق المتسعة. أما المسلمون فهم على العكس من ذلك، يعيشون في الأحياء الوطنية، اللهم إلا بعض الأسر الغنية التي ابتنت لها قصورا ريفية في آخر طريق باريس، ولا يفوتنا أن ننوه بازدياد سكان الأرباض البعيدة من أوروبية وإسلامية ويهودية، وقد اتصلت في الواقع واندمجت في مدينة تونس، وأعيد تنظيم المجلس البلدي بمقتضى المرسوم الصادر في 31 أكتوبر عام 1883م وألحق به مرسوما عام 1888م، 1914م بخصوص المجالس البلدية للولاية، ويتألف المجلس من رئيس، ووكيلين فرنسيين، وسبعة عشر عضوا يعينون بمرسوم (ثمانية من الأوروبيين، وثمانية من المسلمين، ويهودي تونسي)، وارتفع عدد سكان مدينة تونس في تعداد عام 1926م إلى 185990 نسمة، منهم 27922 فرنسيا، و51214 من الأجناس الأوروبية الأخرى، و82729 من المسلمين الوطنيين و24131 من اليهود التونسيين.

القيروان

مدينة من أهم مدن تونس على مسيرة مائة واثني عشر ميلا جنوبي مدينة تونس، وأربعين ميلا غربي سوسة، ويربط بينهما خط حديدي، وهي على خط عرض 40

Page inconnue