وَفَضَّلَ الْعُلَمَاءَ
بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ الدِّينِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ.
وَأَوْدَعَ الْعَارِفِينَ.
لَطَائِفَ سِرِّهِ فَهُمْ أَهْلُ الْمُحَاضَرَةِ وَالْإِلْهَامِ،.
ــ
[حاشية البجيرمي]
ذَلِكَ يَأْتِي فِي الصِّرَاطِ بِأَنْ شَبَّهَ الدِّينَ الْحَقَّ بِالصِّرَاطِ، وَاسْتُعِيرَ الصِّرَاطُ لِلدِّينِ الْحَقِّ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يُوَصِّلُ إلَى الْمَقْصُودِ وَالْأَقْدَامُ تَرْشِيحٌ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ أَيْ: عَلَى إنْفَاذِهِ أَوْ إقَامَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَوَصْفُهُ بِالِاسْتِقَامَةِ أَيْ كَوْنُهُ لَا خَلَلَ وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِلصَّوَابِ عَلَى الثَّانِي ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجِسْرُ الْمَمْدُودُ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ كَالْمِيزَانِ أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ اسْتِوَاءٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ وَصْفَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ جُمْلَتِهِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ الثَّلَاثَةِ، فَكُلُّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ مُسْتَقِيمَةٌ لَا اعْوِجَاجَ وَلَا انْعِطَافَ فِيهَا. قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: الصِّرَاطُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَالزَّايِ قَدْ قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَبِإِشْمَامِ الصَّادِ زَايًا.
قَوْلُهُ: (أَقْدَامًا) جَمْعُ قَدَمٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. قَالَ تَعَالَى: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ [النحل: ٩٤] وَلِهَذَا تُصَغَّرُ عَلَى قُدَيْمَةٍ بِالْهَاءِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ مِنْ الْحَمْدِ إلَى وَبَعْدُ عَلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْعَةً: مِنْهَا اثْنَتَانِ عَلَى الْمِيمِ الْمَوْصُولَةِ بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ وَهُمَا الْأُولَيَانِ، وَثَمَانِيَةٌ عَلَى الْمِيمِ السَّاكِنَةِ، وَاثْنَتَانِ عَلَى النُّونِ السَّاكِنَةِ، وَاثْنَتَانِ عَلَى اللَّازِمِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا الْهَاءُ السَّاكِنَةُ، إذْ لَا يَصِحُّ السَّجْعُ عَلَى الْهَاءِ.
مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ السَّجْعِ وَأَقْسَامِهِ قَالَ الَأُجْهُورِيُّ وَالسَّجْعُ تَوَافُقُ الْفَاصِلَتَيْنِ أَيْ الْكَلِمَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ النَّثْرِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَرَّفًا أَوْ مُرَصَّعًا أَوْ مُتَوَازِيًا لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ قَوَافِيهِ فِي الْوَزْنِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُطَرَّفُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ كُلُّ كَلِمَاتِ السَّجْعَتَيْنِ أَوْ غَالِبُهَا فِي الْوَزْنِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُرَصَّعُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُتَوَازِي مِثَالُ الْمُطَرَّفِ قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ [نوح: ١٤] وَمِثَالُ الْمُرَصَّعِ قَوْلُ الْحَرِيرِيِّ: فَهُوَ يَطْبَعُ الْأَسْجَاعَ بِجَوَاهِرِ لَفْظِهِ، وَيَقْرَعُ الْأَسْمَاعَ بِزَوَاجِرِ وَعْظِهِ؛ وَلَوْ أَبْدَلَ الْأَسْمَاعَ بِالْآذَانِ لَكَانَ مِثَالًا لِمَا اتَّفَقَ فِيهِ الْغَالِبُ، وَمِثَالُ الْمُتَوَازِي: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ [النجم: ١] ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢] وَالْأُولَيَانِ مِنْ الشَّرْحِ مِنْ السَّجْعِ الْمُتَوَازِي، وَضَابِطُهُ أَنْ تَتَّفِقَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ، وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ الْفِقْرَتَيْنِ مُوَافِقًا فِي الْوَزْنِ، وَبَاقِي السَّجْعِ مِنْ قَبِيلِ السَّجْعِ الْمُطَرَّفِ، وَضَابِطُهُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ سَجْعٌ مُرَصَّعٌ، وَضَابِطُهُ أَنْ تَتَّفِقَ الْفَاصِلَتَانِ فِي الْوَزْنِ وَالتَّقْفِيَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ الْفِقْرَتَيْنِ مُوَافِقًا فِي الْوَزْنِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ مَقَامَ الْعِلْمِ) أَيْ جَعَلَ مَرْتَبَةَ الْعِلْمِ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، فَلَا يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ أَوْ جَعَلَ أَهْلَهُ فِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ بِحَيْثُ لَا يُسَاوِيهِمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا. اهـ. ق ل. فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ جَعَلَ مَقَامَ أَهْلِهِ. وَقَالَ ح ف: أَيْ جَعَلَ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَهُوَ الْعُلَمَاءُ أَعْلَى وَأَرْفَعَ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (وَفَضَّلَ الْعُلَمَاءَ) الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ غَيْرَ أَنَّهُ أَبْرَزَهُ إظْهَارًا لِشَرَفِهِمْ، أَوْ اسْتِلْذَاذًا بِذِكْرِهِمْ عَلَى حَدِّ:
سُعَادُ الَّتِي أَضْنَاك حُبُّ سُعَادَا ... وَإِعْرَاضُهَا عَنْك اسْتَمَرَّ وَزَادَا
اهـ. أُجْهُورِيٌّ. وَقَالَ ق ل: لَوْ قَدَّمَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لَاسْتَغْنَى عَنْ إظْهَارِ الضَّمِيرِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْإِظْهَارَ حِينَئِذٍ فِي مَحَلِّهِ.
[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]
ٍّ قَوْلُهُ: (بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) جَمْعُ حُجَّةٍ وَهِيَ الدَّلِيلُ وَهُوَ مَا يَتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ فَالْمُرَادُ بِالْحُجَجِ الْأَدِلَّةُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي أَثْبَتَتْ أَمْرًا دِينِيًّا سَوَاءٌ كَانَ عَمَلِيًّا أَوْ اعْتِقَادِيًّا فَدَخَلَ فِيهِ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ فَهَذَا دَلِيلٌ دِينِيٌّ مَعَ أَنَّهُ عَقْلِيٌّ وَسُمِّيَ الدَّلِيلُ حُجَّةً لِأَنَّهُ يُحَجُّ بِهِ الْخَصْمُ وَلِذَا سُمِّيَتْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةً.
وَقَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ) هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ، لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ نَاشِئَةٌ عَنْ إقَامَةِ الْحُجَجِ فَسَقَطَ قَوْلُ
1 / 7