331

بحث في قيام إمامين

ومهما كان المتعاصران قد بلغا رتبة الإمامة، وتحليا بجلباب الزعامة، فالأحق والأولى الحمل على السلامة، لأن كل واحد منهما يريد إصلاح الأمة، ولتحتم وجوب القيام عليه عنده، ولا شك أن الإمام في نفس الأمر واحد، ولكن الله يقول: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} [الأحزاب:5]، وإنما قلنا إنه واحد في نفس الأمر لقيام الأدلة عقلا ونقلا.

أما العقل: فلأن قيام إمامين موجب للإضطراب والفساد، واختلال نظام العباد، إذ النظر إلى الإمام فيما مرجعه إلى مصالح المسلمين والإسلام، ومن المعلوم اختلاف الأنظار وتغاير الآراء، فقد يرجح أحدهما أمرا والآخر خلافه، ويظن أحدهما الصلاح في شيء والآخر عكسه، وأما النقل فلو لم يكن إلا الإجماع على جواز الإمام الواحد، والخلاف في غيره، والإمامة مشتملة على أمور شرعية لا يجوز تناولها إلا بدلالة قطعية، ولا دليل على ما عدا الواحد، أما القياس على الأنبياء ففاسد، لوجود الفارق وهو الوحي والعصمة، ولكونه ظنيا والمسألة قطعية، إذ هي من مسائل الاعتقاد، وأما حكاية الإجماع على الجواز فمعارضة بحكايته على المنع، مع كونها ظنية على أن هذه أشهر وأظهر.

وأيضا فقد ورد في السنة ما يقتضي المنع، نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من دعا إلى نفسه أو إلى غيره وهناك إمام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)).

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي: والأمة تروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا بويع لخليفتين قتل الآخر منهما))، ولم يشتهر عن قدماء العترة صلوات الله عليهم إلا المنع، ومن اطلع على أحوالهم، وتصفح صرائح أقوالهم، صح له ذلك، وليس هذا موضع البسط والتبيين، وإنما أتينا بطرف من ذلك لجلالة هذه المسألة وعظم موقعها في الدين ولا بأس ببيان حجة، وإيضاح محجة، والله الموفق.

Page 338