ولم يعد هو نفسه، ليحس إزاء الآخر بمثل ما كان يحس به من قبل، وهذا هو ما تعنيه بالشخص الثاني:
الشخص الثاني، من أعماق شهور التيه المطموره
حاكته دقائق تلك الأيام الجانبية المغروره
وترسب في عينيه تثاقلها ورؤاها المذعوره
وما دام الأمر كذلك، فإن المحبين بعد أي فراق مهما يكن قصيرا؟ أي بعد خضوعهما لفعل الزمن - لا يكونان هما المحبين اللذين كانا من قبل، وسينكر أحدهما الآخر، وفي هذا عذاب متجدد، لأن الصورة التي تكونت عند أول لقاء، أي اللحظة الزمنية المليئة بالإيحاءات، قد أمحت، ولا يمكن استعادتها.
ومن ثم تجد نازك نفسها تنتقل من الفكرة المتافيزيقية للزمن، من حيث هو قوة منفصلة تصارع الآدميين، إلى تصور الواقع الزمني في مراحله الثلاث الماضي والحاضر والمستقبل، وأكثر ما يغلب على تصورها أن الماضي ميت، وأن المستقبل كذلك ميت. وكيف يمكن لقوة ميتة في الماضي وفي المستقبل، أن تكون مخيفة إلى الحد الذي تتصوره الشاعرة، وحقيقة الأمر أن هنا فرقا بين الزمن حين يكون؟ في الخارج - قوة مجردة، وبين الزمن حين يكون علاقة انسانية، فهو في الحال الثانية يمكن أن يكون حيا أو ميتا، مليئا أو فارغا بسبب احساس الإنسان به، أما في الحالة الأولى، فإنه صورة من الموت، ولذا فإنه قوة لا يستطاع التمرس بها.
والأمس في شعر نازك؟ في أغلب المواقف - ميت " جثة الماضي الغريق "، لا يمكن أحياؤه أو بعثه، والتعبير عن موته يتخذ صورا مختلفة، ويتكرر في مواقف متعددة، ونادرا ما ينتقض موت الماضي بعودته إلى الحياة أو بالعودة