استمع إلي أيها الفارس المرتاب ذو الدم البارد، هذي هي كلماتها لفظة لفظة: «قل له إن اليد التي يتساقط منها الورد في وسعها أن تضفر الأكاليل».»
هذا الإلماع إلى لقائها بمعبد «عين جدة» أثار في ذهن السير كنث ألوف الذكر، وأقنعه بأن الرسالة التي بلغه إياها القزم صادقة لا غبار عليها، وكانت براعم الزهر - رغم ذبولها - لما تزل مكنوزة تحت درعه، وأقرب ما تكون إلى قلبه، فوقف الفارس قليلا ولم يستطع أن يعتزم عزمة قوية على أن يدع هذه الفرصة - وهي الفريدة التي ربما تعرض له حياته، ويفوز فيها بالرضا في عيني تلك التي ولاها ملكة على قلبه - وفي ذلك الحين زاده القزم ارتباكا بأن كرر عليه القول، وعرض عليه إما أن يرد الخاتم أو يتبعه على الفور.
فقال الفارس: «مهلا، مهلا. تريث لحظة واحدة.» ثم واصل الكلام وهو يدمدم ويقول: «هل أنا للملك رتشارد تابع أو رقيق علي من الواجبات أكثر مما على الفارس الحر يقسم على خدمة الحرب الصليبية؟ ومن عساني قد أتيت من أجله هنا لأرفع من شرفه بالرمح والسيف؟ إنما أتيت لغرضنا المقدس ولسيدتي البارعة !»
وصاح به القزم جزعا وهو يقول: «الخاتم! الخاتم! أيها الفارس الخائن المتواني. رد إلي الخاتم فلست جديرا بمسه أو بالنظر إليه.»
فقال السير كنث: «أمهلني لحظة. برهة واحدة يا نكتبانس الكريم. لا تزعج خواطري؛ هب أن الأعراب يوشكون أن ينقضوا على صفوفنا، أألبث هنا كتابع أقسم الولاء لإنجلترا، وأسعى على ألا يلين كبرياء مليكها لذلة أو خضوع، أم أسارع إلى الحنث في اليمين وأقاتل من أجل الصليب؟ كلا، بل إلى الحنث، وليس بعد سبيل الله إلا ما تأمرني به حبيبتي سيدة قلبي، ولكن ما الرأي في مشيئة قلب الأسد والوعد الذي أخذت على نفسي! أي نكتبانس، إني أناشدك مرة أخرى أن تقول لي هل أنت سائر بعيدا عن هنا؟»
فأجاب نكتبانس وقال: «كلا، بل إلى ذلك السرادق؛ وأنت لا ريب ترى القمر يتلألأ فوق القبة الموشاة بالذهب، التي تتوج أعلاه، والتي تستحق فداء المليك.»
فقال الفارس وقد تملكه اليأس، وأغمض عينيه عن كل ما قد ينجم بعد ذلك من نتائج: «إني أستطيع أن أعود بعد لحظة، وإني أستطيع أن أستمع من هناك لنباح الكلب لو اقترب من العلم إنسان - لسوف أرتمي لدى قدمي سيدتي وأستأذنها في العود كي أتم رقابتي - أسمعت يا رزوال؟» (ونادى كلبه وطرح عباءته إلى جوار رمح العلم): «راقب هذا المكان، ولا تسمح لأحد أن يقترب.»
فحدق الكلب المهيب في وجه صاحبه، كأنه يؤكد له أنه فهم ما عهد به إليه، ثم جلس إلى جانب العباءة، وأذناه مستقيمتان، ورأسه مرفوع كأنه حارس يدرك تمام الإدراك الغرض الذي استقر من أجله هناك.
وقال الفارس: «هيا يا نكتبانس الكريم، سارع بنا إلى تلبية ما أتيت به من أمر.»
فقال القزم مكتئبا: «ليسارع من يستطيع ذلك، إنك لم تخف لإطاعة ما دعوتك إليه، وأنا لا أستطيع أن أسرع في مشيتي بحيث أسير وخطاك الواسعة. إنك لا تمشي كما يمشي الرجال، إنما أنت تثب كما تثب النعامة في الصحراء.»
Page inconnue