فقال الملك رتشارد: «وحق القداس إنك لرجل شجاع! استمع إلي يا سيدي الفارس، إني أحب أهل اسكتلندا، فإنهم قوم أشداء، إلا أنهم يتصفون بالعناد وصلابة الرأي، وإنهم لقوم ملخصون في قلوبهم، إلا أن ظروف دولتهم تضطرهم أحيانا إلى اصطناع الخداع والرياء، وإني أستحق منهم المحبة والتقدير، فلقد قمت لهم طوعا بما لم يكونوا يستطيعون ابتزازه كرها بحد السيف مني أو من أسلافي، فأعدت بناء قلعتي «ركبره» و«برك» اللتين تدينان لإنجلترا بالولاء، وأعدت لكم التخوم القديمة، وخلصتكم أخيرا من واجب الولاء لتاج إنجلترا، وهو واجب رأيت أنه قد فرض عليكم ظلما وجورا، وسعيت في أن أجعل منكم أصدقاء أشرافا مستقلين. ولم يرم ملوك إنجلترا السابقون إلى أكثر من أن يرغموكم على الطاعة كارهين، ويبقوكم أتباعا لهم ناقمين.»
فقال السير كنث وقد أحنى رأسه إجلالا: «أجل، لقد فعلت هذا كله يا سيدي المليك، ولقد فعلته وعقدت عليه معاهدة ملكية مع ملك بلادنا في «كنتربري» ولذا فها أنا ذا طوع أمرك، وها هم من هم خير مني من الاسكتلنديين يأتمرون لك، ويشنون الغارة على المسلمين تحت لوائك، ها نحن رهن إرادتك، ولولا ما ذكرت لكنا الآن نعيث فسادا في حدود بلادك بإنجلترا، ولئن كنا الآن قليلا عديدنا فما ذلك إلا لأنا وهبنا في سبيلك حياتنا وأزهقناها راضين طائعين.»
فقال الملك: «صدقت فيما تقول، ولكن بحق ما أديت لبلادكم من جليل الخدمات، أود أن أذكرك أن من حقي - كعضو رئيسي في عصبة المسيحيين - أن أعرف ما يتفاوض فيه خلاني، فهل لك بعد هذا أن تنصفني وتخبرني بما هو من حقي أن أعرفه، وإني لعلى ثقة من أنك سوف تصدقني في هذا أكثر من كل من عداك.»
فأجاب الاسكتلندي وقال: «مولاي، أما وقد ناشدتني هكذا، فسأصدقك القول، وإني أعتقد أن مراميك من حملتنا هذه نبيلة خالصة لوجه الله، وإن هذا لأكثر مما أظن في الآخرين من أعضاء العصبة المقدسة؛ وإذن فليسرك يا مولاي أن تعرف أن مهمتي كانت أن أقترح بوساطة ناسك عين جدة، وهو رجل يحبه ويذود عنه صلاح الدين نفسه ...»
وهنا سارع رتشارد معترضا وقال: «مد أجل الهدنة ولا ريب.»
فأجاب الفارس الاسكتلندي وقال: «كلا يا سيدي وحق القديس اندراوس، بل عقد صلح دائم، وسحب جيوشنا من فلسطين.»
فرد عليه رتشارد دهشا وقال: «يا لله! لقد ساء ظني بهم حقا، ولكني لم أكن لأحلم أنهم سيذلون أنفسهم إلى مثل هذا الخزي والهوان، خبرني يا سير كنث بأية طوية حملت هذه الرسالة؟»
فقال كنث: «بطوية خالصة طيبة يا مولاي، لأنا بعد ما افتقدنا زعيمنا النبيل، الذي كنت آمل في الظفر تحت قيادته وحده، لم أر أن أحدا يستطيع أن يخلفه، أو أن نرجو منه أن يقودنا إلى النصر، فرأيت أنه خير لنا في مثل هذه الظروف أن نتجنب الهزيمة.»
فقال رتشارد وقد كتم غيظا أليما يكاد قلبه يتميز منه: «وما هي الشروط التي أردتم أن تعقدوا عليها هذا الصلح المرجو؟»
فأجاب فارس النمر الرابض وقال: «هذه لم يعهد إلي بها يا مولاي، إنما سلمتها للناسك مختومة مغلقة.»
Page inconnue