فأجاب المسيحي: «لقد نما إلي أن سلطانكم العظيم يمت إلى هذه الأسرة بصلة الرحم، فهل هذا صحيح؟»
قال المسلم: «حمدا لرسول الله الذي شرف جبالنا بأن بعث من بطنها رجلا، الظفر معقود بمنطقته، ما أنا إلا كالدودة الحقيرة أمام ملك مصر والشام، ومع ذلك، فإن لاسمي في بلادي بعض المكانة. أيها الرجل الغريب، خبرني مع كم من الرجال أتيت إلى هذه الحرب؟»
قال السير كنث: «أقسم لك إنني - بكل ما قدم إلي أهلي وصحبي من معونة - لم أستطع أن أجمع عشرة من الرجال المدربين على حمل الحراب، ونحوا من خمسين رجلا آخرين - ومنهم النبالون والخدم - إلا بعد جهد جهيد؛ ومن هؤلاء من لم يرقه أن ينضم إلى لوائي التعس، ومنهم من سقط في القتال، وكثير أهلكهم المرض، ومن بينهم رجل من حملة السلاح أثق فيه، وهو الآن عليل طريح الفراش، ومن أجله أتيت حاجا إلى هنا.»
فقال شيركوه: «أيها المسيحي، إن في جعبتي خمسة سهام، كلها مريشة بأجنحة النسور، لو بعثت منها بواحدة إلى خيامي جاءني ألف مقاتل على ظهور الخيل، ولو بعثت بالأخرى هبت طائفة أخرى تعدل الأولى عدا، فلو أني أرسلتها جميعا لأصبح تحت إمرتي خمسة آلاف رجل، وإذا أرسلت قوسي دب في جوف الصحراء عشرة آلاف راكب؛ وأنت على رأس خمسين من أتباعك أتيت تغزو بلادا، أنا من أقل أبنائها شأنا!»
فرد عليه الفارس الغربي وقال: «وحق الصليب، أيها العربي، لتعلمن - قبل أن تفخر بنفسك - أنا نستطيع بقفاز واحد من الحديد أن نقضي على حفنة من هذه الحشرات التي ذكرت.»
فقال العربي: «ولكن هذه اليد الحديدية ينبغي لها أن تمتلك هذه الحشرات في قبضتها قبل القضاء عليها!» وارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة كادت أن تودي بالحلف الذي عقداه بينهما حديثا، لولا أنه حول مجرى الحديث وأردف قائلا: «وهل للشجاعة عند الأمراء المسيحيين مكانة عالية، فتتعهد - كما وعدتني - وأنت لا سلاح لديك ولا رجال، بحمايتي وسلامتي في مخيم زملائك؟»
فأجاب المسيحي: «أما وقد سألتني هذا، فاعلم أيها العربي، أن اسم الفارس ودم الرجل الكريم يخولان له أن يرفع نفسه إلى منزلة كبار الملوك في كل أمر، عدا ما يتمتعون به من سلطان ونفوذ؛ ولو جرح رتشارد ملك إنجلترا نفسه عزة فارس مسكين كمثلي، ما كان له - وفقا لقانون الفروسية - أن ينكر عليه حقه في النزال.»
فقال الأمير: «والله إني لأحب أن أشهد مثل هذا المنظر العجيب، حيث يستطيع الرجل الفقير بنطاق من الجلد، ومهمازين، أن يرتفع إلى مستوى أقوى الأقوياء.»
فأجاب المسيحي: «أضف إلى ذلك دما حرا، وقلبا لا يرتاع، يصدق قولك عن كرامة الفروسية.»
ثم سأله العربي: «وهل تخالطون نساء سادتكم وقادتكم بهذه الجرأة عينها؟»
Page inconnue