إلا لأني للشرف أشد حبا وأقوى.
من شعر منتروز
لما عاد الملك رتشارد إلى سرادقه أمر أن يؤتى له بالنوبي، فدخل الرجل يقدم آيات الاحترام التي ألف، وانكب على وجهه، ثم لبث ماثلا أمام الملك كما يقف العبد يرتقب ما يأمر به سيده، وربما كان من حسن طالعه أن القيام بواجبه كان يتطلب منه أن يغض الطرف، فلو أنه تلقى كل ما رمقه به رتشارد من نظرات حادة صوبها نحوه فترة وهو صامت، لما كان له قبل باحتمالها.
وبعد هنيهة قال الملك: «إنك تعرف قواعد الصيد حق المعرفة، وقد شرعت في مطاردة الفريسة حتى أوقفتها عند حدها بجدارة كأن «ترسترم» نفسه قد علمك هذا؛
1
ولكن ليس هذا كل ما في الأمر. إنما ينبغي أن تسحق الصيد سحقا، ما كان أحب إلى نفسي من أن أصوب رمح صيدي نحوه، ولكن يظهر أن هناك أسبابا تحول دون ذلك؛ إنك توشك أن تعود إلى معسكر السلطان برسالة تطلب فيها إلى عظمته أن يعين مكانا على الحياد تقوم عليه أعمال الفروسية، وأن يجمع معنا على مشاهدتها إن شاء. والآن ما أحسب - رجما بالغيب - إلا أنك واجد في ذلك المعسكر فارسا يقبل نزال هذا الخائن «منتسرا» حبا في الحق ورغبة في الزيادة من شرفه.»
فرفع النوبي بصره، وصوبه نحو الملك وهو ينظر نظرة فيها حرارة وغيرة، ثم رفع عينيه إلى السماء يحمد الله من الأعماق حتى تألق الدمع في مقلتيه، ثم طأطأ رأسه تأييدا لإرادة رتشارد، وعاد إلى وقفته الأولى، وقفة الخادم الخاضع.
وقال الملك: نعم هذا؛ إني أراك راغبا في التكرم علي في هذا الشأن، وينبغي لي أن أقول إن في هذا فضل خادم مثلك ليس له لسان يجادل به أغراضنا، أو يطلب شرحا لما اعتزمنا. لو كان مكانك خادم إنجليزي لنصح لي وأصر على أن أكل بالنزال إلى رماح متين من أتباعي، وهم جميعا من أخي «لنجسورد» فنازلا يتحرقون للقتال في صفي. ولو كان فرنسيا ثرثارا لحاول ألف مرة أن يعرف لماذا أنا أبحث عن بطل في معسكر المسلمين. أما أنت أيها الوسيط الصامت، فتستطيع أن تؤدي رسالتي دون أن تجادل فيها أو تفهمها، السمع لديك طاعة.»
فكان الجواب اللائق من الأتيوبي على هذا التعليق أن انحنى بجسمه وجثا إجلالا واحتراما.
وقال الملك وقد تكلم مفاجئا ومسارعا: «والآن لنتكلم في شأن آخر، هل رأيت أديث بلانتاجنت؟»
Page inconnue