La médecine prophétique

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
87

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

مِنْهُ غَالِبًا، فَتَكُونُ الْمَعِدَةُ بَيْتَ الدَّاءِ لِذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الْحَثِّ عَلَى تَقْلِيلِ الْغِذَاءِ، وَمَنْعِ النَّفْسِ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الْفَضَلَاتِ. وَأَمَّا الْعَادَةُ فَلِأَنَّهَا كَالطَّبِيعَةِ لِلْإِنْسَانِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: الْعَادَةُ طَبْعٌ ثَانٍ، وَهِيَ قُوَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْبَدَنِ، حَتَّى إِنَّ أَمْرًا وَاحِدًا إِذَا قِيسَ إِلَى أَبْدَانٍ مُخْتَلِفَةِ الْعَادَاتِ، كَانَ مُخْتَلِفَ النِّسْبَةِ إِلَيْهَا. وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَبْدَانُ مُتَّفِقَةً فِي الْوُجُوهِ الْأُخْرَى مِثَالُ ذَلِكَ أَبْدَانٌ ثَلَاثَةٌ حَارَّةُ الْمِزَاجِ فِي سِنِّ الشَّبَابِ، أَحَدُهَا: عُوِّدُ تَنَاوُلَ الْأَشْيَاءِ الْحَارَّةِ؛ وَالثَّانِي: عُوِّدُ تَنَاوُلَ الْأَشْيَاءِ الْبَارِدَةِ، وَالثَّالِثُ: عُوِّدَ تَنَاوُلَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَوَسِّطَةِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَتَى تَنَاوَلَ عَسَلًا لَمْ يَضُرَّ بِهِ، وَالثَّانِي: مَتَى تَنَاوَلَهُ، أَضَرَّ بِهِ، وَالثَّالِثُ: يَضُرُّ بِهِ قَلِيلًا، فَالْعَادَةُ رُكْنٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَمُعَالَجَةِ الْأَمْرَاضِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْعِلَاجُ النَّبَوِيُّ بِإِجْرَاءِ كُلِّ بَدَنٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي استعمال الأغذية والأدوية وغير ذَلِكَ. فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي تَغْذِيَةِ الْمَرِيضِ بِأَلْطَفِ مَا اعْتَادَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ عروة عَنْ عائشة، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، وَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَى أَهْلِهِنَّ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، وَصَنَعَتْ ثَرِيدًا، ثُمَّ صَبَّتِ التَّلْبِينَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَتْ: كُلُوا مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ» «١» وَفِي «السُّنَنِ» مِنْ حَدِيثِ عائشة أَيْضًا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِالْبَغِيضِ النَّافِعِ التَّلْبِينِ»، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اشْتَكَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ تَزَلِ الْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ حَتَّى يَنْتَهِيَ أحد طرفيه. يعني يبرأ أو يموت. «٢»

(١) أخرجه البخاري في الأطعمة ومسلم في اللباس (٢) أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم

1 / 89