La médecine prophétique

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
52

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

فصل [في صرع الأخلاط] وَأَمَّا صَرَعُ الْأَخْلَاطِ، فَهُوَ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ النَّفْسِيَّةَ عَنِ الْأَفْعَالِ وَالْحَرَكَةِ وَالِانْتِصَابِ مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ، وَسَبَبُهُ خِلْطٌ غَلِيظٌ لَزِجٌ يَسُدُّ مَنَافِذَ بُطُونِ الدِّمَاغِ سَدَّةً غَيْرَ تَامَّةٍ، فَيَمْتَنِعُ نُفُوذُ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ فِيهِ وَفِي الْأَعْضَاءِ نُفُوذًا تَامَّا مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِأَسْبَابٍ أُخَرَ كَرِيحٍ غَلِيظٍ يُحْتَبَسُ فِي مَنَافِذِ الرُّوحِ، أَوْ بُخَارٍ رَدِيءٍ يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، أَوْ كَيْفِيَّةٍ لَاذِعَةٍ، فَيَنْقَبِضُ الدِّمَاغُ لِدَفْعِ الْمُؤْذِي، فَيَتْبَعُهُ تَشَنُّجٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَعَهُ مُنْتَصِبًا، بَلْ يَسْقُطُ، وَيَظْهَرُ فِي فِيهِ الزَّبَدُ غَالِبًا. وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرَاضِ الْحَادَّةِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ وُجُودِهِ الْمُؤْلِمِ خَاصَّةً، وَقَدْ تُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ بِاعْتِبَارِ طُولِ مُكْثِهَا، وَعُسْرِ بُرْئِهَا، لَا سِيَّمَا أَنْ تَجَاوَزَ فِي السِّنِّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ فِي دِمَاغِهِ، وَخَاصَّةً فِي جَوْهَرِهِ، فَإِنَّ صَرَعَ هَؤُلَاءِ يَكُونُ لَازِمًا. قَالَ أبقراط: إِنَّ الصَّرَعَ يَبْقَى فِي هَؤُلَاءِ حَتَّى يَمُوتُوا. إِذَا عُرِفَ هَذَا، فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهَا كَانَتْ تُصْرَعُ وَتَتَكَشَّفُ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَرَعُهَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ، فَوَعَدَهَا النَّبِيُّ ﷺ الْجَنَّةَ بِصَبْرِهَا عَلَى هَذَا الْمَرَضِ، وَدَعَا لَهَا ألاتتكشف، وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْجَنَّةِ، وَبَيْنَ الدُّعَاءِ لَهَا بِالشِّفَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ، فَاخْتَارَتِ الصَّبْرَ وَالْجَنَّةَ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْمُعَالَجَةِ وَالتَّدَاوِي، وَأَنَّ عِلَاجَ الْأَرْوَاحِ بِالدَّعَوَاتِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ يَفْعَلُ مَا لَا يَنَالُهُ عِلَاجُ الْأَطِبَّاءِ، وَأَنَّ تَأْثِيرَهُ وَفِعْلَهُ، وَتَأَثُّرَ الطَّبِيعَةِ عَنْهُ وَانْفِعَالَهَا أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَانْفِعَالِ الطَّبِيعَةِ عَنْهَا، وَقَدْ جَرَّبْنَا هَذَا مِرَارًا نَحْنُ وَغَيْرُنَا، وَعُقَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ لِفِعْلِ الْقُوَى النَّفْسِيَّةِ، وَانْفِعَالَاتِهَا فِي شِفَاءِ الْأَمْرَاضِ عَجَائِبُ، وَمَا عَلَى الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ أَضَرُّ مِنْ زَنَادِقَةِ الْقَوْمِ، وَسِفْلَتِهِمْ، وَجُهَّالِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَرَعَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ كَانَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْأَرْوَاحِ، وَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ خَيَّرَهَا بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْجَنَّةِ، وَبَيْنَ الدُّعَاءِ لَهَا بِالشِّفَاءِ، فاختارت الصبر والستر، والله أعلم.

1 / 54