278

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

وَفِي هَذَا مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي شَجَرَةَ الْعِنَبِ الْكَرْمَ، لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَخَيْرِهَا، فَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ تَسْمِيَتَهَا بِاسْمٍ يُهَيِّجُ النُّفُوسَ عَلَى مَحَبَّتِهَا وَمَحَبَّةِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنَ الْمُسْكِرِ، وَهُوَ أُمُّ الْخَبَائِثِ، فَكَرِهَ أَنْ يُسَمَّى أَصْلُهُ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ وَأَجْمَعِهَا لِلْخَيْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ» «١» . «وَلَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ» «٢» . أَيْ: أَنَّكُمْ تُسَمُّونَ شَجَرَةَ الْعِنَبِ كَرْمًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَوِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ مِنْهُ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَنَفْعٌ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ وَالتَّعْرِيفِ لِمَا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْخَيْرِ، وَالْجُودِ، وَالْإِيمَانِ، وَالنُّورِ، وَالْهُدَى، وَالتَّقْوَى، وَالصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا هَذَا الِاسْمَ أَكْثَرَ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْحَبَلَةِ لَهُ.
وَبَعْدُ: فَقُوَّةُ الْحَبَلَةِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، وَوَرَقُهَا وَعَلَائِقُهَا وَعُرْمُوشُهَا مُبَرِّدٌ فِي آخِرِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى، وَإِذَا دُقَّتْ وَضُمِّدَ بِهَا مِنَ الصُّدَاعِ سَكَّنَتْهُ، وَمِنَ الْأَوْرَامِ الْحَارَّةِ وَالْتِهَابِ الْمَعِدَةِ. وَعُصَارَةُ قُضْبَانِهِ إِذَا شُرِبَتْ سَكَّنَتِ الْقَيْءَ، وَعَقَلَتِ الْبَطْنَ، وَكَذَلِكَ إِذَا مُضِغَتْ قُلُوبُهَا الرَّطْبَةُ. وَعُصَارَةُ وَرَقِهَا، تَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْأَمْعَاءِ، وَنَفْثِ الدَّمِ وَقَيْئِهِ، وَوَجَعِ الْمَعِدَةِ، وَدَمْعُ شَجَرِهِ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى الْقَضْبَانِ، كَالصَّمْغِ إِذَا شُرِبَ أَخْرَجَ الْحَصَاةَ، وَإِذَا لُطِّخَ بِهِ، أَبْرَأَ الْقُوَبَ وَالْجَرَبَ الْمُتَقَرَّحَ وَغَيْرَهُ، وَيَنْبَغِي غَسْلُ الْعُضْوِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا بِالْمَاءِ وَالنَّطْرُونِ، وَإِذَا تُمُسِّحَ بِهَا مَعَ الزَّيْتِ حَلَقَ الشَّعْرَ، وَرَمَادُ قُضْبَانِهِ إِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْخَلِّ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالسَّذَابِ، نَفَعَ مِنَ الْوَرَمِ الْعَارِضِ فِي الطِّحَالِ، وَقُوَّةُ دُهْنِ زَهْرَةِ الْكَرْمِ قَابِضَةٌ شَبِيهَةٌ بِقُوَّةِ دُهْنِ الْوَرْدِ، وَمَنَافِعُهَا كَثِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَنَافِعَ النَّخْلَةِ.
كَرَفْسٌ: رُوِيَ فِي حَدِيثٍ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَهُ ثُمَّ نَامَ عَلَيْهِ، نَامَ وَنَكْهَتُهُ طَيِّبَةٌ، وَيَنَامُ آمِنًا مِنْ وَجَعِ الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ»، وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَكِنَّ الْبُسْتَانِيَّ مِنْهُ يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ جِدًّا، وَإِذَا عُلِّقَ أَصْلُهُ فِي الرَّقَبَةِ نَفَعَ من وجع الأسنان.

(١) أخرجه البخاري في الأدب، ومسلم في البر.
(٢) أخرجه مسلم في الزكاة.

1 / 280