276

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

وَفِي سُنَنِ أبي داود: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ: «مَا أَحْسَنَ هَذَا؟» فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا» فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ: «هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ» «١» .
قَالَ الغافقي: الكتم نبت بِالسُّهُولِ، وَرَقُهُ قَرِيبٌ مِنْ وَرَقِ الزَّيْتُونِ، يَعْلُو فَوْقَ الْقَامَةِ، وَلَهُ ثَمَرٌ قَدْرَ حَبِّ الْفُلْفُلِ، فِي دَاخِلِهِ نَوًى، إِذَا رُضِخَ اسْوَدَّ؛ وَإِذَا اسْتُخْرِجَتْ عُصَارَةُ وَرَقِهِ، وَشُرِبَ مِنْهَا قَدْرُ أُوقِيَّةٍ، قَيَّأَ قَيْئًا شَدِيدًا، وَيَنْفَعُ عَنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ. وَأَصْلُهُ إِذَا طُبِخَ بِالْمَاءِ كَانَ مِنْهُ مِدَادٌ يُكْتَبُ بِهِ.
وَقَالَ الكندي: بَزْرُ الْكَتَمِ إِذَا اكْتُحِلَ بِهِ، حَلَّلَ الْمَاءَ النَّازِلَ فِي الْعَيْنِ وَأَبْرَأَهَا.
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْكَتَمَ هُوَ الْوَسْمَةُ، وَهِيَ وَرَقُ النِّيلِ، وَهَذَا وَهْمٌ، فَإِنَّ الْوَسْمَةَ غَيْرُ الْكَتَمِ. قَالَ صَاحِبُ «الصِّحَاحِ»: الْكَتَمُ بِالتَّحْرِيكِ: نَبْتٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ يُخْتَضَبُ بِهِ. قِيلَ: وَالْوَسْمَةُ نَبَاتٌ لَهُ وَرَقٌ طَوِيلٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الزُّرْقَةِ أَكْبَرُ مِنْ وَرَقِ الْخِلَافِ، يُشْبِهُ وَرَقَ اللُّوبِيَا، وَأَكْبَرُ مِنْهُ، يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ أنس ﵁، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَخْتَضِبِ النَّبِيَّ ﷺ «٢» .
قِيلَ: قَدِ أَجَابَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا وَقَالَ: قَدْ شَهِدَ بِهِ غَيْرُ أنس ﵁ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ خَضَبَ، وَلَيْسَ مَنْ شَهِدَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ، فأحمد أَثْبَتَ خِضَابَ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، ومالك أَنْكَرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مسلم» النَّهْيُ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ فِي شَأْنِ أبي قحافة لَمَّا أُتِيَ بِهِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فقال: «غيّروا هذا الشّيب وجنّبوه السّواد» «٣» .

(١) أخرجه أبو داود وابن ماجة.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم.
(٣) أخرجه مسلم في اللباس.

1 / 278