18

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Édition

-

Lieu d'édition

بيروت

كَانَ كُلُّ نَارٍ مُسَخِّنًا، فَإِنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً، بَلْ عَكْسُهَا الصَّادِقُ بَعْضُ الْمُسَخِّنِ نَارٌ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ بِفَسَادِ صُورَةِ النَّارِ النَّوْعِيَّةِ، فَأَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ عَلَى بَقَاءِ صُورَتِهَا، النَّوْعِيَّةِ، وَالْقَوْلُ بِفَسَادِهَا قَوْلٌ فَاسِدٌ قَدِ اعْتَرَفَ بِفَسَادِهِ أفضل متأخريكم «١» في كتابه المسمى بالشفاء، وَبَرْهَنَ عَلَى بَقَاءِ الْأَرْكَانِ أَجْمَعَ عَلَى طَبَائِعِهَا في المركبات. وبالله التوفيق.
فصل: في علاجه ص للمرض
وَكَانَ عِلَاجُهُ ﷺ لِلْمَرَضِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: بِالْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ.
وَالثَّانِي: بِالْأَدْوِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَالثَّالِثُ: بِالْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ، فَنَبْدَأُ بِذِكْرِ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي وَصَفَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ الْأَدْوِيَةَ الْإِلَهِيَّةَ، ثُمَّ الْمُرَكَّبَةَ.
وَهَذَا إِنِّمَا نُشِيرُ إِلَيْهِ إِشَارَةً، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِنِّمَا بُعِثَ هَادِيًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى جَنَّتِهِ، وَمُعَرِّفًا بِاَللَّهِ، وَمُبَيِّنًا لِلْأُمَّةِ مَوَاقِعَ رِضَاهُ وَآمِرًا لَهُمْ بِهَا، وَمَوَاقِعَ سَخَطِهِ وَنَاهِيًا لَهُمْ عَنْهَا، وَمُخْبِرَهُمْ أَخْبَارَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَأَحْوَالَهُمْ مَعَ أُمَمِهِمْ، وَأَخْبَارَ تَخْلِيقِ الْعَالَمِ، وَأَمْرَ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَكَيْفِيَّةَ شَقَاوَةِ النُّفُوسِ وَسَعَادَتِهَا، وَأَسْبَابَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا طِبُّ الْأَبْدَانِ «فَجَاءَ مِنْ تَكْمِيلِ شَرِيعَتِهِ، وَمَقْصُودًا لِغَيْرِهِ، بِحَيْثُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، كَانَ صَرْفُ الْهِمَمِ وَالْقُوَى إِلَى عِلَاجِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ، وَحِفْظِ صِحَّتِهَا، وَدَفْعِ أَسْقَامِهَا، وَحِمْيَتِهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَإِصْلَاحُ الْبَدَنِ بِدُونِ إِصْلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَنْفَعُ، وَفَسَادُ الْبَدَنِ مَعَ إِصْلَاحِ الْقَلْبِ مَضَرَّتُهُ يَسِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ مَضَرَّةٌ زَائِلَةٌ تَعْقُبُهَا الْمَنْفَعَةُ الدائمة التامة، وبالله التوفيق.

(١) أي الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا توفي عام ٤٢٨ هـ.

1 / 20