La médecine prophétique

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
142

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

يَوْمٍ مِنَ الْمُصِيبَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْجَاهِلُ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ صَبْرَ الْكِرَامِ، سَلَا سُلُوَّ الْبَهَائِمِ. وَفِي «الصَّحِيحِ» مَرْفُوعًا: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» «١» . وَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: إِنَّكَ إِنْ صَبَرْتَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَإِلَّا سَلَوْتَ سُلُوَّ الْبَهَائِمِ. وَمِنْ عِلَاجِهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَنْفَعَ الْأَدْوِيَةِ لَهُ مُوَافَقَةُ رَبِّهِ وَإِلَهِهِ فِيمَا أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ لَهُ، وَأَنَّ خَاصِّيَّةَ الْمَحَبَّةِ وَسِرَّهَا مُوَافَقَةُ الْمَحْبُوبِ، فَمَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ مَحْبُوبٍ، ثُمَّ سَخِطَ مَا يُحِبُّهُ، وَأَحَبَّ مَا يَسْخَطُهُ، فَقَدْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذِبِهِ، وَتَمَقَّتَ إِلَى مَحْبُوبِهِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا قَضَى قَضَاءً، أحب أن يرضى به، وكان عمران ابن حُصَيْنٍ يَقُولُ فِي عِلَّتِهِ: أَحَبُّهُ إِلَيَّ أَحَبُّهُ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أبو العالية. وَهَذَا دَوَاءٌ وَعِلَاجٌ لَا يَعْمَلُ إِلَّا مَعَ الْمُحِبِّينَ، وَلَا يُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَتَعَالَجَ بِهِ. وَمِنْ علاجها: أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين، وَأَدْوَمِهِمَا: لَذَّةِ تَمَتُّعِهِ بِمَا أُصِيبَ بِهِ، وَلَذَّةِ تَمَتُّعِهِ بِثَوَابِ اللَّهِ لَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ الرُّجْحَانُ، فَآثَرَ الرَّاجِحَ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَإِنْ آثَرَ الْمَرْجُوحَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مُصِيبَتَهُ فِي عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَدِينِهِ أَعْظَمُ مِنْ مُصِيبَتِهِ الَّتِي أُصِيبَ بِهَا فِي دُنْيَاهُ. وَمِنْ عِلَاجِهَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الَّذِي ابْتَلَاهُ بِهَا أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِ الْبَلَاءَ لِيُهْلِكَهُ بِهِ، وَلَا لِيُعَذِّبَهُ بِهِ، وَلَا لِيَجْتَاحَهُ، وَإِنَّمَا افْتَقَدَهُ بِهِ لِيَمْتَحِنَ صَبْرَهُ وَرِضَاهُ عَنْهُ وَإِيمَانَهُ، وَلِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ وَابْتِهَالَهُ، وَلِيَرَاهُ طَرِيحًا بِبَابِهِ، لَائِذًا بِجَنَابِهِ، مَكْسُورَ الْقَلْبِ بَيْنَ يَدَيْهِ، رَافِعًا قَصَصَ الشَّكْوَى إِلَيْهِ. قَالَ الشيخ عبد القادر: يَا بُنَيَّ! إِنَّ المصيبة ما جاءت لتهلك، وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِتَمْتَحِنَ صَبْرَكَ وَإِيمَانَكَ، يَا بُنَيَّ! الْقَدَرُ سَبُعٌ، وَالسَّبُعُ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْمُصِيبَةَ كِيرُ الْعَبْدِ الَّذِي يُسْبَكُ بِهِ حَاصِلُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ ذَهَبًا أَحْمَرَ، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ خَبَثًا كُلُّهُ، كَمَا قِيلَ: سَبَكْنَاهُ وَنَحْسِبُهُ لُجَيْنًا ... فَأَبْدَى الْكِيرُ عَنْ خَبَثِ الْحَدِيدِ

(١) أخرجه البخاري في الجنائز، ومسلم في الجنائز.

1 / 144