La médecine prophétique
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Maison d'édition
دار الهلال
Numéro d'édition
-
Lieu d'édition
بيروت
الْأَجْسَامِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَحْسُوسٌ، وَأَنْتَ تَرَى الْوَجْهَ كَيْفَ يَحْمَرُّ حُمْرَةً شَدِيدَةً إِذَا نَظَرَ إليه من يحتشمه ويستحي منهج وَيَصْفَرُّ صُفْرَةً شَدِيدَةً عِنْدَ نَظَرِ مَنْ يَخَافُهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مَنْ يَسْقَمُ مِنَ النَّظَرِ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِوَاسِطَةِ تَأْثِيرِ الْأَرْوَاحِ، وَلِشِدَّةِ ارْتِبَاطِهَا بِالْعَيْنِ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إِلَيْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْفَاعِلَةَ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِلرُّوحِ، وَالْأَرْوَاحُ مُخْتَلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَقُوَاهَا وَكَيْفِيَّاتِهَا وَخَوَاصِّهَا، فَرُوحُ الْحَاسِدِ مُؤْذِيَةٌ لِلْمَحْسُودِ أَذًى بَيِّنًا، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ- سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ شَرِّهِ، وَتَأْثِيرُ الْحَاسِدِ فِي أَذَى الْمَحْسُودِ أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهُوَ أَصْلُ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ، فَإِنَّ النَّفْسَ الْخَبِيثَةَ الْحَاسِدَةَ تَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ، وَتُقَابِلُ الْمَحْسُودَ، فَتُؤَثِّرُ فِيهِ بِتِلْكَ الْخَاصِّيَّةِ، وَأَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِهَذَا الْأَفْعَى فَإِنَّ السُّمَّ كَامِنٌ فِيهَا بِالْقُوَّةِ، فَإِذَا قَابَلَتْ عَدُوَّهَا انْبَعَثَتْ مِنْهَا قُوَّةٌ غَضَبِيَّةٌ، وَتَكَيَّفَتْ بِكَيْفِيَّةٍ خَبِيثَةٍ مُؤْذِيَةٍ، فَمِنْهَا مَا تَشْتَدُّ كَيْفِيَّتُهَا وَتَقْوَى حَتَّى تُؤَثِّرَ فِي إِسْقَاطِ الْجَنِينِ، وَمِنْهَا مَا تُؤَثِّرُ فِي طَمْسِ الْبَصَرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْأَبْتَرِ، وَذِي الطُّفْيَتَيْنِ مِنَ الْحَيَّاتِ «إِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ»» .
وَمِنْهَا، مَا تُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسَانِ كَيْفِيَّتُهَا بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ بِهِ لِشِدَّةِ خُبْثِ تِلْكَ النَّفْسِ، وَكَيْفِيَّتِهَا الْخَبِيثَةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَالتَّأْثِيرُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الِاتِّصَالَاتِ الْجِسْمِيَّةِ، كَمَا يَظُنُّهُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالطَّبِيعَةِ وَالشَّرِيعَةِ، بَلِ التَّأْثِيرُ يَكُونُ تَارَةً بِالِاتِّصَالِ، وَتَارَةً بِالْمُقَابَلَةِ، وَتَارَةً بِالرُّؤْيَةِ، وَتَارَةً بِتَوَجُّهِ الرُّوحِ نَحْوَ مَنْ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَتَارَةً بِالْأَدْعِيَةِ وَالرُّقَى وَالتَّعَوُّذَاتِ، وَتَارَةً بِالْوَهْمِ وَالتَّخَيُّلِ، وَنَفْسُ الْعَائِنِ لَا يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَعْمَى، فَيُوصَفُ لَهُ الشَّيْءُ، فَتُؤَثِّرُ نَفْسُهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَائِنِينَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَعِينِ بِالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ «٢» وَقَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ
(١) أخرجه البخاري في بدأ الخلق، ومسلم في السلام. وقد سمي بذلك لأن على ظهره خطين يشبهان الطّفيتين، اي الخوصتين. والأبتر: قصير الذنب (٢) القلم- ٥١
1 / 123