La médecine prophétique

Ibn Qayyim al-Jawziyya d. 751 AH
117

La médecine prophétique

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Maison d'édition

دار الهلال

Numéro d'édition

-

Lieu d'édition

بيروت

وَأَخَذَ الْجَبَابِرَةُ مِنْهُمُ الْقِيَامَ، فَيَقُومُ الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ على رؤوسهم عُبُودِيَّةً لَهُمْ، وَهُمْ جُلُوسٌ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ، فَتَعَاطِيهَا مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لَهُ، فَنَهَى عَنِ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَقَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ» . وَأَنْكَرَ عَلَى معاذ لَمَّا سَجَدَ لَهُ وَقَالَ: «مَهْ» «١» . وَتَحْرِيمُ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ دِينِهِ بِالضَّرُورَةِ، وَتَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ مُرَاغَمَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِذَا جَوَّزَ هَذَا الْمُشْرِكُ هَذَا النَّوْعَ لِلْبَشَرِ، فَقَدْ جَوَّزَ الْعُبُودِيَّةَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: «لا» . قيل أيلتزمه ويقلّه قَالَ: «لَا» . قِيلَ أَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ «نَعَمْ» «٢» . وَأَيْضًا: فَالِانْحِنَاءُ عِنْدَ التَّحِيَّةِ سُجُودٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا «٣» أَيْ مُنْحَنِينَ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ الدَّخُولُ عَلَى الْجِبَاهِ، وَصَحَّ عَنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْقِيَامِ، وَهُوَ جَالِسٌ، كَمَا تُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حَتَّى مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَرَهُمْ إِذَا صَلَّى جَالِسًا أَنْ يُصَلُّوا جُلُوسًا، وَهُمْ أَصِحَّاءُ لَا عُذْرَ لَهُمْ، لِئَلَّا يَقُومُوا عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ جَالِسٌ، مَعَ أَنَّ قِيَامَهُمْ لِلَّهِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْقِيَامُ تَعْظِيمًا وَعُبُودِيَّةً لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ النُّفُوسَ الْجَاهِلَةَ الضَّالَّةَ أَسْقَطَتْ عُبُودِيَّةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَشْرَكَتْ فِيهَا مَنْ تُعَظِّمُهُ مِنَ الْخَلْقِ، فَسَجَدَتْ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَرَكَعَتْ لَهُ، وَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيَامَ الصَّلَاةِ، وَحَلَفَتْ بِغَيْرِهِ، وَنَذَرَتْ لغيره، وحلقت لغيره، وذبحت لغيره، وطافت بغير بَيْتِهِ وَعَظَّمَتْهُ بِالْحُبِّ، وَالْخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالطَّاعَةِ، كَمَا يُعَظَّمُ الْخَالِقُ، بَلْ أَشَدُّ، وَسَوَّتْ مَنْ تَعْبُدُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُضَادُّونَ لِدَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَهُمُ الَّذِينَ بِرَبَّهِمْ يَعْدِلُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ- وَهُمْ فِي النَّارِ مَعَ آلِهَتِهِمْ يخصمون- تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ. «٤» وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ

(١) أخرجه الإمام أحمد. (٢) أخرجه الترمذي في الاستئذان، وابن ماجه في الأدب، وأحمد (٣) البقرة- ٥٨ (٤) الشعراء- ٩٨

1 / 119