إذا نحينا هؤلاء الأفراد النادرين جانبا، نجد كثيرا من الأشخاص الثنائيي اللغة المشهورين، لا لأنهم يجيدون أو أجادوا عددا هائلا من اللغات، وإنما بسبب أنشطتهم الأخرى المتنوعة؛ فتكون الثنائية اللغوية (أو كانت) مجرد جزء من حياتهم اليومية. على سبيل المثال: في مجال الفلسفة والدين، نجد أن إرازموس، الفيلسوف الهولندي رائد الحركة الإنسانية، كان يتحدث خمس لغات، والسبب في هذا يرجع جزئيا إلى حقيقة أنه عاش في عدة دول، أبرزها إنجلترا وفرنسا وسويسرا، وكان لا يستخدم اللاتينية في التعاملات الدبلوماسية واللاهوتية فحسب، وإنما في الحوارات اليومية أيضا. ويقال إن البابا يوحنا بولس الثاني كان يتحدث 12 لغة، بعضها كان يستخدمه على الأرجح يوميا، مثل البولندية واللاتينية والإيطالية والإنجليزية. أما بالنسبة إلى خليفته البابا بنديكت السادس عشر، فبالإضافة إلى قدرته على قراءة اليونانية القديمة وعبرية العهد القديم، يتحدث بالألمانية بطلاقة، بالإضافة إلى الإيطالية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية. وأكثر الشخصيات المثيرة للدهشة في هذه الفئة هو السيد المسيح، الذي ربما كان ثلاثي أو رباعي اللغة ؛ إذ كانت لغته الأم هي الآرامية، ثم تعلم العبرية عند تعلمه على يد الحاخامات، وربما كان يعرف أيضا اليونانية واللاتينية، اللتين كان يتحدث بهما مع الناس في فلسطين في ذلك الوقت.
في مجال السياسة والدبلوماسية، يقال إن أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين، الذي كان أيضا دبلوماسيا وعالما ومخترعا ويعمل في مجال الطباعة، كان يتحدث ست لغات بطلاقة (وهي الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية واللاتينية والألمانية). في وقت قريب من عصرنا الحالي، كان رئيس الوزراء الكندي السابق بيير ترودو ثنائي اللغة في الإنجليزية والفرنسية؛ ورئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي كانت تعرف على الأقل لغتين (الهندية والإنجليزية)؛ ورئيس يوغسلافيا تيتو كان يتحدث خمس لغات بطلاقة؛ كما أن الحاكمة العامة الحالية لكندا، ميكائيل جان، تتحدث بطلاقة الفرنسية والإنجليزية والكريولية الهايتية والإسبانية والإيطالية؛ وكان وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر ثنائي اللغة في الألمانية والإنجليزية، وكان يعرف بسهولة من صوته العميق ولكنته الألمانية الواضحة إلى حد ما؛ كما أن مادلين أولبرايت، التي شغلت المنصب نفسه، ولدت في براغ، وكانت تتحدث بطلاقة التشيكية والروسية والإنجليزية والفرنسية، وكانت تستطيع أيضا القراءة بعدة لغات أخرى؛ كما أن القاضية الفيدرالية في المحكمة العليا الأمريكية سونيا سوتومايور ثنائية اللغة في الإسبانية والإنجليزية؛ تماما مثل هيلدا سوليس، وزيرة العمل في إدارة أوباما؛ كما أن دانيل كوهين-بنديت - القائد ذا الشخصية الجذابة لأحداث مايو عام 1968 في فرنسا، والعضو الحالي في البرلمان الأوروبي - ثنائي اللغة بالكامل في الفرنسية والألمانية، ويظهر في البرامج الحوارية ويتحدث بكل من اللغتين الألمانية والفرنسية، ويتنقل بين اللغتين اللتين يتحدث بهما دون لكنة؛ ويوجد عضوان على الأقل في الحكومة الأولى للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، هما رشيدة داتي وفاضلة عمارة، اللتان كانت كل منهما ثنائية اللغة في العربية والفرنسية، على الرغم من أنه من النادر سماعهما تتحدثان بلغتهما الأولى، التي تعتبر لغة أقلية في فرنسا.
كان كثير من العلماء (أو ما زالوا) ثنائيي اللغة، ويكون هذا عادة بسبب الهجرة. إليك قائمة بأسماء بعض من هؤلاء العلماء مع ذكر لغاتهم الأساسية: ألبرت أينشتاين (الألمانية والإنجليزية)، وسيجموند فرويد (الألمانية والإنجليزية)، وماري كوري (البولندية والروسية والفرنسية)، وجوليلمو ماركوني (الإيطالية والإنجليزية)، وبرونو بتلهايم (الألمانية والإنجليزية)، ورومان ياكبسون (الروسية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والتشيكية).
في مجال الموسيقى الكلاسيكية والفنون الجميلة كان جورج فردريك هاندل، المؤلف الموسيقي في عصر الباروك، ثلاثي اللغة في الألمانية والإيطالية والإنجليزية. وكان والد المؤلف وعازف الكمان فريدريك شوبان فرنسيا، لذا كان يتحدث شوبان الفرنسية بطلاقة بالإضافة إلى البولندية. وكان آرثر روبنشتاين يتحدث بالبولندية، لغة الدولة التي ولد فيها، بالإضافة إلى الألمانية والفرنسية والإنجليزية. ويتحدث يو-يو ما، المؤلف وعازف التشيلو، بالصينية والإنجليزية. أما بالنسبة إلى الفنانين، فكان فينسنت فان جوخ ثنائي اللغة في الهولندية والفرنسية، كذلك كان بابلو بيكاسو ثنائي اللغة على الأقل في الإسبانية والفرنسية، وكان مارك شاجال ثلاثي اللغة (في الروسية والإنجليزية والفرنسية).
يزداد الطابع الدولي لوسائل الإعلام بمرور الوقت، ويوجد كثير من الصحفيين والمراسلين الثنائيي اللغة والمتعددي اللغات؛ وإليك بعض الأمثلة الشهيرة: كريستيان آمانبور (الإنجليزية والفارسية والفرنسية)، وراليستا فاسيليفا (الإنجليزية والبلغارية)، وأوكتافيا نصر (العربية والإنجليزية والفرنسية)، وماريا إلينا ساليناس (الإسبانية والإنجليزية)، وأوليفيه تود (الفرنسية والإنجليزية)، ونيلسون مونفور (الفرنسية والإسبانية والإنجليزية والإيطالية)، وجوناثان مان (الإنجليزية والفرنسية).
في مجال الترفيه، يوجد كثير من المغنين الثنائيي اللغة، مثل: شاكيرا، ونانا موسكوري، وسيلين ديون، وجلوريا إستيفان، وكريستينا أجيليرا، ولاسا دي سيلا، وخوليو إجلسياس، الذين يغنون بلغتين على الأقل، وأحيانا أكثر من ذلك. أما بالنسبة إلى الممثلين عامة والممثلين الكوميديين خاصة، فكثير منهم ثنائيو اللغة، مثل: إيفا لونجوريا باركر وآندي جارسيا (كلاهما ثنائي اللغة في الإسبانية والإنجليزية)، وعزيز أنصاري (الإنجليزية والتاميلية)، ومارجريت تشو (الكورية والإنجليزية)، وماز جبراني (الإنجليزية والفارسية). وقد مثل بعض الممثلين بالفعل أدوارا بلغتهم أو لغاتهم الأخرى التي يعرفونها ويستخدمونها، مثل: جودي فوستر (الإنجليزية والفرنسية)، وصوفيا لورين (الإيطالية والفرنسية والإنجليزية)، وشارلوت جينسبرج (الفرنسية والإنجليزية)، ولامبرت ويلسون (الفرنسية والإنجليزية). في الواقع، في دول معينة تضم عددا كبيرا من السكان الذين يتحدثون لغة الأقلية (مثل السكان ذوي الأصل اللاتيني في الولايات المتحدة)، يوجد طلب مرتفع حاليا على الممثلين الثنائيي اللغة.
أخيرا ، ببساطة يزخر مجال الرياضة بالأشخاص الثنائيي اللغة، سأذكر فقط بعضا منهم، وسأترك القارئ يضيف أسماء أخرى ورياضات أخرى: التنس (روجر فيدرير ورافاييل نادال)، البيسبول (كثير من لاعبي الدوري الأمريكي من كوبا وجمهورية الدومينيكان واليابان والمكسيك وغيرها)، سباقات السيارات (فرناندو ألونسو وكيمي رايكونين وفيليبي ماسا)، كرة القدم (تييري هنري وباتريك فييرا وينز ليمان)، كرة السلة (ياو مينج وتوني باركر)، إلى آخره.
الجزء الثاني
الأطفال الثنائيو اللغة
الفصل الرابع عشر
Page inconnue