15
مع مرور الوقت واتساع نطاق تقبل الثنائية اللغوية بكل جوانبها، ربما نكتشف وجود كتاب آخرين، ثنائيي اللغة، لم يجرءوا قط على إنتاج عملهم بلغتهم الأخرى (سواء أكانت الأولى أم الثانية أم كلتيهما)، أو لم ينجحوا قط في نشره. أحد هؤلاء هو الكاتب الشهير جاك كيرواك، وهو روائي أمريكي معروف عالميا من جيل بيت، وتظل روايته «على الطريق»، التي نشرت عام 1957 وترجمت إلى 27 لغة، إحدى الروايات المفضلة من بين الكثير من الروايات؛ لما يمتاز به السرد من مناهضة لمؤسسات المجتمع، وتجاوز للحدود الجغرافية. يعرف قليل من الناس أن كيرواك ينحدر من أسرة كندية من أصل فرنسي، استقرت في مدينة لوويل في ماساتشوستس، وأنه كان يتحدث بالفرنسية مع والديه حتى سن السادسة، وفي هذا السن فقط بدأ يكتسب الإنجليزية. ويدرك عدد أقل من الناس أن كيرواك كتب على الأقل كتابين بالفرنسية (باللهجة الفرنسية لمقاطعة كيبك المعروفة باسم «جوال»)، هما: «الليل هو زوجتي»، و«على الطريق» الذي لم يكتشف إلا في عام 2008. وهذا الكتاب الأخير (على الرغم من عنوانه) مختلف عن كتابه «على الطريق» الآخر الذي بالإنجليزية، وقد ألفه بعد وقت قصير من تأليف هذا الكتاب الذي حقق أعلى المبيعات في عام 1951. لم ينشر هذا الكتاب قط باللغة الفرنسية، وإنما ترجمه كيرواك إلى الإنجليزية تحت عنوان «ثور عجوز في باوري». ونأمل أن يوجد كثير من الكتب الأخرى مثل كتاب «على الطريق» الفرنسي، مخزنا في خزائن الملفات أو الأرشيفات، وينشر ذات يوم حتى نستطيع تأمل الإبداع الثنائي اللغة لمؤلفيها.
الفصل الثالث عشر
الثنائيو اللغة المميزون
يتحدث هذا الكتاب عن الأشخاص الثنائيي اللغة العاديين، الذين نقابلهم في الحياة اليومية، وهم يمثلون الغالبية العظمى من الذين يعيشون حياتهم بلغتين أو أكثر. ومع ذلك، يوجد ثنائيو لغة مميزون علاقتهم عادية بلغاتهم وأحيانا تكون فريدة. تحدثنا في الفصل السابق عن الكتاب الثنائيي اللغة. توجد مجموعة أخرى من الأشخاص الثنائيي اللغة المميزين، مثل معلمي اللغة الثانية والمترجمين التحريريين والمترجمين الشفويين، تكسب رزقها من معرفتها بما لديها من لغات واستخدامها، بينما قد يعتمد آخرون على براعتهم فيما لديهم من لغات في أداء وظيفتهم وضمان سلامتهم (مثل العملاء السريين). من بين الأشخاص الثنائيي اللغة المميزين نجد أيضا الأشخاص المشهورين، الذين ترجع شهرتهم إما لكونهم من الأشخاص المتعددي اللغات البارزين، وإما لأسباب أخرى لا تتعلق على الإطلاق بمهاراتهم اللغوية. سيدور حديثنا في هذا الفصل عن هؤلاء الأشخاص المميزين. (1) معلمو اللغة الثانية
يطلق عادة على معلم اللغة الثانية اسم معلم اللغة الأجنبية، على الرغم من أن هذا الاسم قد يكون خاطئا عندما تكون اللغة التي يدرسها إحدى اللغات التي يستخدمها ملايين المتحدثين في الدولة التي يعيش فيها، مثل اللغة الإسبانية في الولايات المتحدة، أو اللغة العربية في فرنسا. يوجد نوعان من معلمي اللغة الثانية؛ أولا: الذين يدرسون لغة (أو لغات) الدولة، إلى أفراد آخرين؛ الأجانب في الأساس (على سبيل المثال: المعلمون الذين يدرسون اللغة الإنجليزية كلغة ثانية للمهاجرين الوافدين حديثا إلى الولايات المتحدة). لا يجب أن يكون هؤلاء المعلمون ثنائيي اللغة حتى يؤدوا وظيفتهم؛ ولذا لن نتحدث عنهم أكثر من هذا هنا.
ثانيا: نجد المعلمين الذين يدرسون لغة مختلفة عن لغة (أو لغات) الدولة الأساسية، ومن الأمثلة على هذا معلمو اللغة الألمانية في إنجلترا، ومعلمو اللغة الإنجليزية في إيطاليا، وما إلى ذلك. ينقسم هؤلاء إلى مجموعتين؛ نجد في المجموعة الأولى هؤلاء الذين اكتسبوا اللغة التي يدرسونها كلغة ثانية في المدرسة أو الجامعة، وربما قضوا أيضا فترة قصيرة في دولة تستخدم اللغة التي يتخصصون في تدريسها. ينطبق هذا، على سبيل المثال، على الأستاذة رايت التي تدرس اللغة الإسبانية في إحدى المدارس الثانوية في منطقة بوسطن؛ فقد درست اللغات الحديثة في الكلية - الإسبانية والفرنسية - ثم قضت ستة أشهر في المكسيك. وفي المجموعة الثانية نجد المتحدثين الأصليين للغة الذين انتقلوا إلى دولة أخرى ويدرسون فيها لغتهم الأم؛ وينطبق هذا على الأستاذة لوبيز التي تدرس اللغة الإسبانية مع الأستاذة رايت في المدرسة نفسها؛ فهي في الأصل من فنزويلا، وانتقلت إلى الولايات المتحدة في مرحلة البلوغ بعدما التحقت بالجامعة في كاراكاس. لقد درست علم النفس ولكنها عملت في تدريس اللغة الإسبانية عندما جاءت إلى الولايات المتحدة، بعدما خضعت لعدد من الدورات التدريبية في تعليم اللغة في جامعة محلية.
تدرس كل من الأستاذتين رايت ولوبيز الإسبانية للطلاب في المدرسة الثانوية على مختلف المستويات، وبناء على تعريف الثنائية اللغوية الذي عرضناه في الفصل الثاني، فكل منهما ثنائية اللغة نظرا لاستخدامهما لغتين (أو أكثر) في حياتهما اليومية. توجد درجات مختلفة من الطلاقة لدى معلمي اللغات في اللغة التي يدرسونها، وربما توجد لديهم أيضا لكنة فيها، تماما مثل الأشخاص الثنائيي اللغة العاديين، لكنهم يعتبرون من ثنائيي اللغة المميزين من عدة نواح؛ أولا: لا يستخدم بعضهم، مثل الأستاذة رايت، اللغة التي يدرسونها خارج حجرة الدرس كثيرا، نظرا لعدم حاجتهم إليها عادة في التواصل اليومي خارج العمل. مع ذلك، لنا أن نلاحظ أن هذا الأمر لا ينطبق على الأستاذة لوبيز، التي لديها كثير من الأصدقاء الذين يتحدثون الإسبانية، وتستخدم كلا من الإنجليزية والإسبانية خارج المدرسة.
ثانيا: لدى هؤلاء معرفة بلغويات اللغة أكثر من تلك الموجودة لدى المستخدمين العاديين للغة؛ على سبيل المثال: كم من المتحدثين بالإنجليزية يستطيع شرح الفرق بين حروف الجر
for
Page inconnue