بعد مرور ما يقرب من أربعين عاما، أجرى ديفيد لونا وزملاؤه الدراسات التي وردت في خبر وكالة رويترز. على الرغم من التشابه الكبير بينها وبين دراسات إرفين، لم تذكر دراسات إرفين على الإطلاق، وهو أمر مؤسف لأن إرفين قدمت تفسيرا معقولا لجميع النتائج التي حصلت عليها. في دراسات لونا طلب من مجموعة من الطالبات الثنائيات اللغة الأمريكيات اللاتي من أصل إسباني تأدية عدة مهام. في إحدى الدراسات كان عليهن وصف إعلانات مستهدفة بإحدى لغتيهن أولا ، ثم بعد ستة أسابيع باللغة الأخرى. كانت هذه الإعلانات تحتوي على صور لسيدات، وطرحت عليهن أسئلة مثل: «ماذا تفعل السيدة الموجودة في الإعلان؟» و«ما الذي تشعر به؟» وهكذا. اكتشف لونا وزملاؤه أنه في جلسات اللغة الإسبانية، نظرت المشاركات إلى السيدات اللاتي ظهرن في الإعلانات على أنهن أكثر تمتعا بالاكتفاء الذاتي (أي يتمتعن بالقوة والذكاء والاجتهاد والطموح)، بالإضافة إلى الانفتاح؛ أما في جلسات اللغة الإنجليزية، فعبرن عن وجهات نظر تقليدية أكثر عن المرأة تعبر عن عدم استقلاليتها وتمحور اهتمامها حول الأسرة. وفي دراسة أخرى، كان على المشاركات القيام بمهمة تصنيف في مدة محددة، أظهرت أن العلاقة بين فئة «الذكور» و«عدم الاستقلالية» من ناحية، وفئة «الإناث» و«الاكتفاء الذاتي» من ناحية أخرى، كانت أقوى في الإسبانية عنها في الإنجليزية، وبذلك يصبح لدينا دليل على صحة نتائج الدراسة الأولى.
7
إذا هل يعني هذا وجود هويتين لدى الأشخاص الثنائيي اللغة كما يشير عنوان بحث لونا «شخص واحد وهويتان»؟ أم أن خبر رويترز الذي نشرته بناء على هذا البحث - الذي مفاده أن الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يتحدثون لغتين قد تتغير شخصيتهم دون وعي عند تغيير اللغات المستخدمة - كان صحيحا؟ هل يمكن أن يوجد قدر من الصحة في المثل التشيكي «تعلم لغة جديدة تحصل على روح جديدة»؟ تجدر بنا الإشارة أولا إلى أن الأشخاص الثنائيي اللغة الأحاديي الثقافة غير معنيين بأي من هذا الكلام، على الرغم من أنهم قد يمثلون الغالبية العظمى من الثنائيي اللغة في العالم. في الواقع، في كثير من الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية يتسم الناس بكونهم ثنائي اللغة أو متعددي اللغات، بينما يكونون أعضاء ثقافة أساسية واحدة فقط. لكن ماذا عن الأشخاص الثنائيي اللغة الثنائيي الثقافة؟ أشرت، منذ أكثر من خمس وعشرين، في أول كتاب لي عن الثنائية اللغوية، إلى أن ما يراه الناس على أنه تغير في الشخصية هو ببساطة تحول في التوجهات والسلوكيات بما يتوافق مع التحول في الموقف أو السياق ، بعيدا عن اللغة.
8
فعليا، كان المشاركون الثنائيو اللغة والثقافة في هذه الدراسات المتعددة يتصرفون وفقا لثنائيتهم الثقافية؛ من حيث التأقلم مع السياق الذي يجدون أنفسهم فيه (انظر الفصل السابق). في الواقع، قالت سوزان إرفين في أول دراسة لها في هذا السياق (1964)، أمرا مشابها:
من الممكن أن يرتبط تغيير اللغة بتغير الأدوار الاجتماعية والتوجهات العاطفية. فنظرا لأن المرء يتعلم كل لغة ويستخدمها عادة مع أشخاص مختلفين وفي سياق مختلف، فقد يرتبط استخدام كل لغة بتغير في عدد كبير من السلوكيات.
9
وكما رأينا في حديثنا السابق عن وظائف اللغة، يستخدم الأشخاص الثنائيو اللغة لغاتهم لأغراض مختلفة، وفي مجالات حياتية مختلفة، ومع أشخاص مختلفين. تتطلب عادة جوانب الحياة المختلفة استخدام لغات مختلفة. وتؤدي السياقات والمجالات الحياتية إلى مواقف وانطباعات وسلوكيات مختلفة، وما يراه الناس على أنه تغير في الشخصية نتيجة لتغير اللغة، قد لا تكون له أية علاقة باللغة في حد ذاتها. في الواقع، عندما سألت بعض الأشخاص الثنائيي اللغة الآخرين، قالوا التفسير الصحيح بالضبط لهذا؛ فقال شخص ثلاثي اللغة في الفرنسية والفلمنكية والإنجليزية:
أنا لا أعرف حقا إذا ما كانت شخصيتي تتغير عندما أغير اللغة التي أستخدمها. والسبب الأساسي في عدم المعرفة هذه هو أنني أستخدم اللغتين في مواقف مختلفة، ومن ثم يجب علي التصرف على نحو مختلف، حتى إن كنت أستخدم اللغة نفسها.
كما أشار بوضوح هذا الشخص الثلاثي اللغة، فإن المواقف المختلفة تجعل المرء يتصرف على نحو مختلف، سواء أكان يستخدم لغة واحدة أم عدة لغات. فكر في أسلوب حديثك مع أقرب أصدقائك، والسلوك والشخصية اللذين تتبناهما معه، وفكر كيف يتغير هذا في أكثر تعاملاتك رسمية، مثل التعامل مع مدير مدرسة، أو مع شخصية لها سلطة دينية، أو مع صاحب العمل. توجد طريقة أخرى لاختبار هذا تتمثل في ملاحظة الأشخاص الثنائيي الثقافة الأحاديي اللغة؛ فعلى الرغم من أن لدى هؤلاء لغة واحدة، فإنهم على الأرجح يتصرفون تماما مثل الأشخاص الثنائيي الثقافة الثنائيي اللغة، وبذلك يثبتون أن تغيير اللغة ليس هو ما يحث على حدوث تغيرات في السلوك والمواقف .
Page inconnue