ولم يتردد يسري إلا بكلمة عابرة أطلقها وهو يقتعد الأريكة في البهو: قد يغيب.
وقالت دولت في دلال: وماله؟ لنا زمان لم نرك.
هي دولت كما هي، لم تغير منها السنون، ولم تمر بها الحرب. عفيفة رغم أنفها، عاهرة لو استطاعت إلى ذلك سبيلا، الرجل يملأ تفكيرها وحسها، ولولا بعض حياء ما امتنعت على الخدم في بيت الباشا. ولكنها لم تستطع أن تنسى مكانها في البيت، وأخاها الذي أصبح أستاذا كبيرا، فعفت عن الخدم ولم تجد في حياتها غيرهم، فعاشت شريفة بواقع أمرها، غير شريفة بآمالها وتفكيرها وأحلامها وأمسياتها المنفردة الباردة.
لم تجد زوجا، فأخوها يأبى لها الجاهل ولا يجد لها المتعلم. وهي في وسط بعيد عن الرجال الذين قد يقبل أخوها أن يزوجها بأحدهم. وقد جعلتها إقامتها في بيت الباشا تقتنع برأي أخيها، فإنها لم تعد تطيق أن تنزل من هذا العز الذي رفلت في أطوائه إلى حياة جافة مع صانع أو مثيل له.
نظر يسري إلى دولت مليا، جمال أخاذ، إنه يعرف ذلك منذ زمن بعيد، ولكن كيف كان يمكن أن يصل إليها؟ لقد انقطع عن بيت عزت باشا في الوقت الذي كان يمكن أن يستغل فيه علمه بجمالها.
أحست دولت نظرته وعرفتها والتذتها، فأقامت مكانها ترنو إليه وتنتظر أن ينتهي من النظر بحديث. ولم يطل انتظارها. قال: ازددت جمالا يا دولت.
وضحكت دولت في تمايل وهي تقول: أما تزال تراني جميلة؟ - أجمل مما كنت أراك.
وازدادت ضحكا وقالت: أنت أيضا ازددت جمالا، فقد أصبحت تعتني بشعرك وتمشطه، وخلعت الطربوش الذي كان لا يفارقك على الرغم من خوصته الكسرة، وأصبحت تهتم بملابسك، وازدادت عيناك بريقا، ولو أن الخبث حل فيهما محل البراءة، وأصبحت ذا عينين جريئتين حتى لأستحي أن أقف أمامك، فإنه يخيل إلي أنك توشك أن تخلع عني ثيابي.
وقال يسري في لهو: يا ليت!
وضحكت دولت ضحكة عالية وهي تقول: لا، لقد أصبحت بلوى كبيرة.
Page inconnue