فاغليري (١)
"ان معجزة الاسلام العظمى هي القرآن الذي تنقل الينا الرواية الراسخة غير المنقطعة، من خلاله، انباء تتصف بيقين مطلق. انه كتاب لا سبيل إلى محاكاته. ان كلًا من تعبيراته شامل جامع، ومع ذلك فهو ذو حجم مناسب، ليس بالطويل اكثر مما ينبغي، وليس بالقصير اكثر مما ينبغي. اما اسلوبه فاصيل فريد. وليس ثمة ايما نمط لهذا الاسلوب في الادب العربي تحدر الينا من العصور التي سبقته. والاثر الذي يحدثه في النفس البشرية انما يتم من غير ايما عون عرضى او اضافى من خلال سموه السليقيّ. ان آياته كلها على مستوى واحد من البلاغة، حتى عندما تعالج موضوعات لابدّ ان تؤثر في نفسها وجرسها كموضوع الوصايا والنواهي وما اليها. انه يكرر قصص الانبياء ﵈ واوصاف بدء العالم ونهايته، وصفات الله وتفسيرها، ولكن يكررها على نحو مثير إلى درجة لا تضعف من اثرها. وهو ينتقل من موضوع إلى موضوع من غير ان يفقد قوته. اننا نقع هنا على العمق والعذوبة معا - وهما صفتان لا تجتمعان عادة - حيث تجد كل صورة بلاغية تطبيقًا كاملًا فكيف يمكن ان يكون هذا الكتاب المعجز من عمل محمد ﷺ، وهو العربي الاميّ الذي لم ينظم طوال حياته غير بيتين او ثلاثة ابيات لا ينمّ اي منها عن ادنى موهبة شعرية؟ " (٢)
"لا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الالهي في هذه الحقيقة: وهي ان نصّه ظل صافيًا غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنزيله ويوم الناس هذا، وان نصه سوف يظل على حاله تلك من الصفاء وعدم التحريف، باذن الله، مادام الكون" (٣)
"ان هذا الكتاب، الذي يتلى كل يوم في طول العالم الاسلامي وعرضه، لا يوقع في نفس المؤمن ايما حسّ بالملل. على العكس، انه من طريق التلاوة المكرورة يحبب نفسه إلى المؤمنين اكثر فاكثر يوما بعد يوم. انه يوقع في نفس من يتلوه او يصغى اليه حسًّا عميقًا من المهابة والخشية. ان في امكان المرء ان يستظهره في غير عسر، حتى اننا لنجد اليوم، على الرغم من انحسار موجة الايمان، آلافًا من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب وفي مصر وحدها عدد من الحفاظ اكثر من عدد القادرين على تلاوة الاناجيل في اوروبا كلها" (٤)
"ان انتشار الاسلام السريع لم يتم لا عن طريق القوة ولا بجهود المبشرين الموصولة. ان الذي ادى إلى ذلك الانتشار كون الكتاب الذي قدمه المسلمون للشعوب المغلوبة مع تخييرها بين قبوله ورفضه، كتاب الله، كلمة الحق، اعظم معجزة كان في ميسور محمد ﷺ ان يقدمها إلى المترددين في هذه الارض" (٥)
"فيما يتصل بخلق الكون فان القرآن على الرغم من اشارته إلى الحالة الاصلية والى اصل العالم.. لا يقيم ايما حدّ مهما يكن في وجه قوى العقل البشري، ولكنه يتركها طليقة تتخذ السبيل الذي تريد.." (٦)
_________
(١) لورا فيشيا فاغليري l.Veccica Vaglier: باحثة إيطالية معاصرة انصرفت إلى التاريخ الاسلامي قديمًا وحديثًا، والى فقه العربية وادابها. من آثارها: (قواعد العربية) في جزئين (١٩٣٧ - ١٩٤١)، و(الاسلام) (١٩٤٦)، و(دفاع عن الاسلام) (١٩٥٢)، والعديد من الدراسات في المجلات الاستشراقية المعروفة.
(٢) دفاع عن الاسلام، ص ٥٦ - ٥٧
(٣) نفسه، ص ٥٨ - ٥٩
(٤) نفسه، ص ٥٩
(٥) نفسه، ص٥٩
(٦) نفسه، ص ٦٠
1 / 28