التتار من البداية إلى عين جالوت

Ragheb El-Sergany d. Unknown
111

التتار من البداية إلى عين جالوت

التتار من البداية إلى عين جالوت

Genres

دعوة الناصر للجهاد ضد التتار قرر الناصر يوسف أن يأخذ قرارًا لم يفكر فيه طيلة حياته، واضطر اضطرارًا لأن يأخذ قرار الجهاد ضد التتار، وهذه الدعوة مضحكة، فليست هذه أشكال الناس التي تجاهد، فالجميع يعلم أن الناصر يوسف ليس من أهل الجهاد، وليس عنده أي حمية للدين ولا للعقيدة ولا للمروءة ولا للنخوة، فدعوة الناصر يوسف للجهاد في سبيل الله كانت دعوى مضحكة جدًا، فهو رجل اعتاد أن يبيع كل شيء وأي شيء ليشتري ساعة أو ساعتين على كرسي الحكم، لكن هذا ما حدث بالفعل. ورفع الناصر يوسف راية بلاده، وكتب عليها: الله أكبر، وبدأ يحمس شعبه على الجهاد في سبيل الله -أقصد في سبيل الكرسي-، وهو الذي راسل لويس التاسع ملك فرنسا قبل ذلك ليساعده في حرب مصر على أن يعطيه بيت المقدس، وهو الذي أيد دخول التتار إلى بغداد، وهنأ هولاكو على نصره العظيم، وتخلى عن الكامل محمد الأيوبي أمير ميافارقين، ولم يمده حتى بالطعام، وقد كان قبل قليل يطلب من هولاكو أن يساعده على غزو مصر، فـ الناصر يوسف بكل هذا التاريخ الفاضح يعلن الجهاد، وهذه مهزلة، فـ الناصر يوسف كان يتاجر بعواطف شعبه، وقد ظهر سوء خلقه وفساد عقيدته وانعدام رؤيته للناس أجمعين، فكان من الحماقة أن يعتقد بعض المسلمين أن الله ﷿ سينصر الإسلام على يده، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس:٨١]. فبعض المتحمسين استجابوا للناصر يوسف وجاءوا يقاتلون تحت رايته الجديدة، ولكن استقراء التاريخ والواقع يشير إلى أنه حتمًا ولا بد سيفر إذا جاء اللقاء، ولن يمكث في أرض المعركة إلا قليلًا، بل قد يهرب قبل بدء القتال أصلًا؛ وساعتها ينصدم هؤلاء الناس المتحمسون، ويشعرون بالإحباط الشديد، ولذا كان عليهم أن يراجعوا أنفسهم، فخطؤهم الأكبر ليس الإحباط بعد فرار الزعيم، وإنما هو اعتقاد أن الناصر يوسف وأمثاله يستطيعون حمل راية الجهاد الثقيلة جدًا. فإذا سمعتم دعوة الجهاد فانظروا من ينادي بها، فهذه العبادة هي ذروة سنام الإسلام، ولا ينادي بها حقًا إلا أعاظم الرجال. أعلن الناصر يوسف دعوة الجهاد، وضرب معسكره التابع له في شمال دمشق عند قرية اسمها قرية برزة، مع أنه من المفروض أن يضرب المعسكر التابع له عند حلب؛ لأنها لم تسقط بعد، وهي بجانب ميافارقين، وإذا انتهى هولاكو منها فإنه سيأتي على حلب، ولكنه عسكر بعيدًا جدًا، حتى إذا سقطت حلب هرب هو من دمشق، فدمشق على بعد (٣٠٠) كيلو متر من حلب، فهي مسافة كافية جدًا للهرب. بدأ الناصر يوسف يعد العدة ويراسل الأمراء من حوله؛ لينظموا إليه لقتال التتار، فراسل المغيث فتح الدين عمر أمير إمارة الكرك، والكرك شرق البحر الميت وهو الآن في الأردن، وقد كانت إمارة مستقلة، ولم يكن هذا الرجل إلا مغيثًا لنفسه فقط، ولم يكن فتحًا للدين بأي صورة من الصور، ولم يكن شبيهًا بـ عمر بأي حال من الأحوال، وإنما كانت أسماؤهم عظيمة في ذلك الزمان وكان رجلًا كـ الناصر يوسف يحارب التتار تارة ويطلب عونهم تارة، ويحارب الصليبيين تارة ويطلب عونهم تارة، بحسب الظروف والأحوال. ثم راسل الناصر يوسف أميرًا لم يتخيل أحد أبدًا أن يراسله، راسل أمير مصر يطلب معونته في حرب التتار، وقد كان يطلب من التتار معاونتهم في فتح مصر، والآن يستعين بأمير مصر في حرب التتار، وهذا ليس في مبدأ ولا قاعدة أصل، وإنما هي المصلحة ويكفي، فهذا هو القانون الذي كان يحكم حياته بكاملها.

6 / 7