Le fort de réponse à Al-Rifa'i, l'inconnu, et Ibn Alawi, et clarification de leurs erreurs dans l'anniversaire du Prophète
الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي
Maison d'édition
دار اللواء للنشر والتوزيع-الرياض
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
الرَّد الْقوي على الرِّفَاعِي والمجهول وَابْن علوي وَبَيَان أخطائهم فِي المولد النَّبَوِيّ
تأليف
حمود بن عبد الله بن حمود التويجري
دَار اللِّوَاء
Page inconnue
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وحده لا شريك له الذي أمر باتباع صراطه المستقيم، ونهى عن اتباع السبل المضلة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي حذر من البدع غاية التحذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحابه ومن تبعهم على الدين القويم وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فقد رأيت مقالًا ليوسف بن هاشم الرفاعي يرد به على فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في النهي عن الاحتفال بمولد النبي ﷺ، ويرد به أيضًا على الذين ينكرون سياقة النساء للسيارات، وهذا المقال منشور في جريدة "السياسة" الكويتية في عددين: أولهما عدد ٤٨٥٩ في يوم الخميس ١٢ ربيع أول سنة ١٤٠٢ هـ والثاني عدد ٤٨٧٠ في يوم الاثنين ٢٣ ربيع أول، سنة ١٤٠٢ هـ.
والكلام على هذا المقال في مقامين: الأول: فيما يتعلق ببدعة
1 / 5
المولد، والثاني: فيما يتعلق بسياقة النساء للسيارات، فأما بدعة المولد فقد أطال الرفاعي الكلام فيها، وخالف القرآن والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها والمسلمون جميعًا منذ زمان رسول الله ﷺ إلى آخر القرن السادس من الهجرة أو قبيل آخره، فأما مخالفته للقرآن فهو واضح من الآيات التي سيأتي ذكرها منها قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ وفي هذه الآية الكريمة أبلغ رد على كل من ابتدع بدعة يزيد بها في الدين ما ليس منه.
ومن ذلك عيد المولد الذي ابتدعه سلطان إربل في آخر المائة السادسة من الهجرة، أو في أول المائة السابعة، ووافقه عليه كثير من العوام وبعض المقلدين من هل المذهب، وهؤلاء المقلدون يعترفون أنه بدعة، إلا أنهم يقولون إنها بدعة حسنة. وهذا القول منهم معدود من أخطائهم وزلاتهم كما سيأتي التنبيه على ذلك إن شاء الله تعالى، وسيأتي كلام الإمام مالك رحمه الله تعالى في التشديد على من ابتدع في الإسلام، ورأى أن بدعته حسنة، وهو كلام جيد في الرد على من يستحسن بدعة المولد.
ومن الآيات أيضًا قول الله تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية، أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير، وإنما ينهي عن شر، انتهى.
وقال البغوي: هو عام في كل ما أمر به النبي ﷺ ونهى عنه انتهى.
1 / 6
والنبي ﷺ لم يأمر أمته أن يخذوا يوم مولده عيدًا، وقد نهاهم عن البدع وحذرهم منها، فمن اتخذ يوم مولده ﷺ عيدًا فهو مخالف للآية التي ذكرنا لأنه قد عمل عملًا لم يأمر الله به ولا رسوله ﷺ، وارتكب ما نهى عنه الرسول ﷺ من محدثات الأمور.
ومنها قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾: أي عن أمر رسول الله ﷺ وهو سبيله ومنهاجه وطريقه وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنًا وظاهرًا ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ أي في قلوبهم من كفر، أو نفاق، أو بدعة ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي في الدنيا بقتل، أو حد، أو حبس، أو نحو ذلك انتهى.
وفي الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن خالف الأمر الذي كان عليه رسول الله ﷺ، وسواء كان ذلك بزيادة على الأمر المشروع، أو بنقص منه، وقد استدل الإمام مالك رحمه الله تعالى بهذه الآية الكريمة على أنه لا يجوز لأحد أن يجاوز الأمر المشروع ويزيد عليه.
قال الشاطبي في كتاب "الاعتصام": حكي عياض عن سفيان بن عيينة أنه قال: سألت مالكًا عمن أحرم من المدينة
1 / 7
وراء الميقات، فقال: هذا مخالف لله ولرسوله، أخشى عليه الفتنة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة. أما سمعت قول الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وقد أمر النبي ﷺ أن يهل من المواقيت، وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الله: من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله ﷺ، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد، فقال: لا تفعل، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة في هذه إنما هي أميال أزيدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله ﷺ، إني سمعت الله يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قال الشاطبي: رحمه الله تعالى، وهذه الفتنة التي ذكرها مالك، ﵀، في تفسير الآية هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنيانهم، فإنهم يرون ما ذكره الله في كتابه وما سنه نبيه ﷺ دون ما اهتدوا إليه بعقولهم، وفي ذلك قال: ابن مسعود، ﵁، فيما روى عنه ابن وضاح: «لقد هديتم لما لم يهتد له نبيكم، أو إنكم لتمسكون بذنب ضلالة» إذ مر بقوم كان رجل يجمعهم يقول: رحم الله من قال: كذا وكذا مرة «سبحان الله»، فيقول القوم. ويقول: رحم الله من قال، كذا وكذا مرة "الحمد لله"، فيقول القوم انتهى كلام الشاطبي، وستأتي قصة ابن مسعود، ﵁، مع الذين ابتدعوا عد التكبير، والتسبيح، والتحميد، والاجتماع لذلك قريبًا إن شاء الله تعالى.
وإذا علم هذا فليعلم أيضًا أن الاحتفال بليلة المولد واتخاذها
1 / 8
عيدًا لم يكن من هدي رسول الله ﷺ، وإنما هو من المحدثات التي أحدثت بعد زمانه ﷺ بنحو من ست مائة سنة وعلى هذا فالاحتفال بهذا العيد المحدث داخل فيما حذر الله منه في قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، ولو كان في الاحتفال بهذا العيد المبتدع أدنى شيء من الخير لسبق إليه الصحابة، ﵃ فإنهم كانوا أسبق إلى الخير ممن جاء بعدهم.
ومنها قوله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة أي اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب من رب كل شيء ومليكه ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾، أي لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره، انتهى.
وإذا علم أن الله تعالى أمر عباده باتباع ما أنزله في كتابه، ونهاهم عن اتباع الأولياء من دونه، فليعلم أيضًا أن اتخاذ ليلة المولد عيدًا من اتباع الأولياء الذين ابتدعوا إحياء ليلة المولد، واتخذوها عيدًا يفعلونها في كل عام.
ومنها قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بالله
1 / 9
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، فعلق ﵎ الفلاح على الإيمان بالرسول وتعزيره ونصره واتباع النور الذي أنزل معه وهو القرآن، وتعزيره ﷺ هو توقيره وتعظيمه، وإنما يكون ذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه، ثم أمر ﵎ بالإيمان به وبرسوله، وعلق الهداية على اتباعه ﷺ واتباعه لا يحصل إلا بالتمسك بهديه، وترك ما ابتدعه المبتدعون من بعده.
وأما مخالفة الرفاعي للسنة فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه من حديث العرباض من سارية ﵁، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم، والذهبي، وقال ابن عبد البر في كتاب: "جامع بيان العلم وفضله": حديث عرباض بن سارية في الخلفاء الراشدين حديث ثابت صحيح.
وروى الإمام أحمد أيضًا، ومسلم، وابن ماجه، والدارمي عن جابر بن عبد الله، ﵄ قال: كان رسول الله ﷺ إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبّحكم ومساكم، ويقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»، وقد رواه النسائي بإسناد جيد، ولفظه: «إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
1 / 10
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود، ﵁، أن رسول الله ﷺ قال: «إنما هما اثنتان الكلام والهدى فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد، ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»، وقد رواه ابن وضاح، وابن عبد البر وغيرهما موقوفًا على ابن مسعود ﵁.
وروي الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه عن عائشة، ﵂، قالت: قال رسول الله ﷺ «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية لأحمد، ومسلم والبخاري تعليقًا مجزومًا به: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» قال النووي في شرح مسلم: قال أهل العربية الرد هنا بمعنى المردود ومعناه فهو باطل غير معتد به، قال: وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه، ﷺ فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات، وقال أيضًا: وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به، انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: هذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه، ثم ذكر قول النووي: إن هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك. قال: وقال الطرقي: هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع، قال الحافظ: وفيه
1 / 11
رد المحدثات، وإن النهي يقتضي الفساد؛ لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها، انتهى.
قلت: ومن الأعمال المردودة بلا ريب إحياء ليلة المولد كل عام، لأنه لم يكن من أمر النبي ﷺ، ولا من عمل لصحابة ﵃، ولا من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان، وإنما هو من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله ﷺ، وأخبر أنها بدعة وضلالة.
وأما مخالفة الرفاعي لما كان عليه سلف الأمة وأئمتها والمسلمون جميعًا منذ زمان رسول الله ﷺ إلى آخر القرن السادس من الهجرة، فهو ظاهر فإنهم لم يكونوا يحتفلون بالمولد ويتخذونه عيدًا، ولم يكونوا يخصون ليلة المولد ولا يومه بشيء من الأعمال دون سائر الليالي والأيام. ولو كان الاحتفال بالمولد خيرًا لسبق إليه الصحابة، ﵃، فإنهم كانوا أسبق إلى الخير، وأحرص عليه ممن جاء بعدهم، وقد قال النووي في "تهذيب السماء واللغات": البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله ﷺ، انتهى.
قلت: ويستثنى من ذلك ما سنه أحد الخلفاء الراشدين وهم: أبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي ﵃، فإنه سنة وليس ببدعة؛ لقول النبي ﷺ «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ».
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه «جامع العلوم والحكم»: وفي أمره ﷺ باتباع سنته وسنة الخلفاء
1 / 12
الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمور عمومًا، دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع السنة بخلاف غيرهم من ولاة الأمور قال: والخلفاء الراشدون الذين أمرنا بالاقتداء بهم، هم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ﵃، وقوله: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة. وأكد ذلك بقوله: «كل بدعة ضلالة»، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة إلى أن قال: فقوله ﷺ: «كل بدعة ضلالة» من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة، والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر ﵁ لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد، وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: «نعمت البدعة هذه»، وروي عنه أنه قال: «إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة» انتهى المقصود من كلامه، وسيأتي تمامًا إن شاء الله تعالى مع الجواب عن استحسان الرفاعي لبدعة المولد، واستدلاله على ذلك بقوله عمر، ﵁ «نعمت البدعة هذه».
وأما قول الرفاعي: إن الاحتفال بالمولد النبوي سنة حسنة.
1 / 13
فجوابه أن يقال: إن السنة ما سنه رسول الله ﷺ، أو سنة أحد الخلفاء الراشدين المهديين وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ﵃، فأما ما سوى ذلك فهو من المحدثات التي حذر منها رسول الله ﷺ، وأخبر أنها شر وضلالة، ومن ذلك الاحتفال بالمولد النبوي، لأن النبي ﷺ لم يأمر بذلك، ولم يفعله، ولم يأمر به أحد من الخلفاء الراشدين، ولم يفعله أحد من الصحابة، ﵃، ولا التابعين وتابعيهم بإحسان، وعلى هذا فهو بدعة وضلالة يجب ردها لقول النبي ﷺ «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».
وقد زعم الرفاعي أن هذه البدعة من السنن الحسنة، وزعم في كلامه الذي سيأتي ذكره قريبًا أنها سنة مباركة وبدعة حسنة، هكذا قال وذلك مبلغه من العلم، وفيه دليل على انعكاس الحقائق عنده، حيث لم يفرق بين السنة والبدعة، بل إنه قد غلب عليه التكلف حتى جعل البدعة سنة مباركة حسنة، وهذا من مصداق الحديث الذي رواه رزين عن علي، ﵁ مرفوعًا «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا» قالوا: يا رسول الله وإن ذلك لكائن، قال: نعم.
وروى أبو يعلي والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ﵁، مرفوعًا مثله، وروي ابن وضاح عن ضمام بن إسماعيل المعافري عن غير واحد من أهل العلم أن رسول الله ﷺ قال: فذكر مثله. وروى ابن وضاح أيضًا عن ابن مسعود ﵁، أنه قال: يأتي على الناس زمان تكون السنة فيه بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا.
1 / 14
وقد ذكر الشاطبي في كتاب «الاعتصام» ما رواه ابن حبيب عن ابن ماجشون قال: سمعت مالكًا يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا ﷺ خان الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾، فلما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا»، وذكره الشاطبي في موضع آخر من كتاب «الاعتصام»، ولفظه قال: «من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله ﷺ خان الرسالة»، وذكر بقيته بمثل ما تقدم، انتهى.
وأما قول الرفاعي: وإن كانت بدعة فهو بدعة حسنة محمودة كغيرها من البدع التي ابتدعت في الإسلام، وأفتى بها وأثنى عليها علماء أهل السنة والجماعة.
فجوابه أن يقال: ليس في البدع التي قد ابتدعت في الدين شيء حسن محمود البتة، بل البدع في الدين كلها شر وضلالة بنص رسول الله ﷺ حيث قال في حديث جابر ﵁ الذي تقدم ذكره «وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»، وفي حديث العرباض بن سارية، -رضي الله- عنه الذي تقدم ذكره «وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة»، وكل بدعة ضلالة، وفي حديث ابن مسعود ﵁، الذي تقدم ذكره «ألا وإياكم ومحدثات الأمور، فإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».
وهل يقول عاقل: إن من الشر والضلالة ما هو حسن محمود، كلا لا يقول ذلك عاقل، ومن زعم أن في البدع التي قد ابتدعت في الدين
1 / 15
شيئًا حسنًا محمودًا فإنما هو في الحقيقة يستدرك على الشريعة، ويرد على رسول الله ﷺ، وهذان الأمران خطيران جدًا لما فيهما من المحادة لله ولرسوله ﷺ فليتأمل الرفاعي قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، فهذه الآية الكريمة تقضي على البدع كلها، وترد على من تعلق بها، أو بشيء منها، وعلى من أفتى بجوازها، أو جواز شيء منها، وعلى من زعم أن بدعة المولد حسنة محمودة وسنة مباركة، قال الشاطبي في كتاب «الاعتصام»: إن المستحسن للبدع يلزمه أن يكون الشرع عنده لم يكمل بعدُ، فلا يكون لقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ معنى يعتبر به عندهم، انتهى.
ويلزم على القول بأن الاحتفال بالمولد سنة حسنة محمودة مباركة لوازم سيئة جدًا أحدها: أن يكون الاحتفال بالمولد من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم. وهذا معلوم البطلان بالضرورة، لأن الله تعالى لم يأمر عباده بالاحتفال بالمولد، ولم يأمر به رسول الله ﷺ، ولم يفعله ولا فعله أحد من الخلفاء الراشدين، ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، بل ولم يكن معروفًا عند المسلمين إلى أن مضى عليهم نحو من ستمائة سنة، فحينئذ ابتدعه سلطان إربل وصار له ذكر عند الناس. وعلى هذا فمن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين، فقد قال: على الله، وعلى كتابه، وعلى رسوله ﷺ بغير علم.
الثاني: من اللوازم السيئة أن يكون النبي ﷺ وأصحابه ﵃ قد تركوا العمل بسنة حسنة
1 / 16
مباركة محمودة، وهذا مما ينزه عنه رسول الله ﷺ وأصحابه ﵃.
الثالث: أن يكون المحتفلون بالمولد قد حصل لهم العمل بسنة حسنة مباركة محمودة، لم تحصل للنبي ﷺ ولا لأصحابه، ﵃، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل ودين.
وليتأمل الرفاعي أيضًا نصوص رسول الله ﷺ في حديثي جابر والعرباض، ﵄، وما رواه ابن ماجه عن ابن مسعود ﵁، وليقابل بين الآية الكريمة وهي قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ مع النصوص الثابتة عن النبي ﷺ في التحذير من المحدثات على وجه العموم، ووصفها بأنها شر وضلالة، وبين قوله إن بدعة الاحتفال بالمولد بدعة حسنة محمودة كغيرها من البدع الحسنة التي ابتدعت في الإسلام، وقوله أيضًا: أنها سنة مباركة ليعلم ما في كلامه من المعارضة للكتاب والسنة؛ وليتأمل أيضًا قول النبي ﷺ «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقوله أيضًا: «من رغب عن سنتي فليس مني»، ولعله بعد التأمل يراجع الحق، فإن الرجوع إلى الحق نبل وفضيلة، كما أن الجدال بالباطل لإدحاض الحق نقص ورذيلة، وقد ذم الله الذي يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، وتوعدهم على ذلك بأشد الوعيد، فقال تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾، وذم ﵎ الذين إذا ذكروا لا يذكرون، وذم الذين لا يسمعون ولا يعقلون، فقال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ
1 / 17
الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾، فليحذر الرفاعي أن يصاب بما جاء في هذه الآيات أو ببعضه.
وإن لم يفهم الرفاعي دلالة النصوص على تحريم بدعة المولد وغيرها من البدع والمنع منها، فينبغي له أن يعرف قدر نفسه، ولا يتطاول على العلماء الذين ينهون عن الفساد في الأرض، ويحذرون الناس من البدع التي حذر منها رسول ﷺ، وأمر بردها.
وإذا علم هذا فمن أفتى بجواز البدع، وأثنى عليها وزعم أنها حسنة محمودة فقوله مردود عليه كائنًا من كان، لأنه لا قول لأحد مع رسول الله ﷺ قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أتدري ما الفتنة، الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ثم جعل يتلو هذه الآية ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾، وقال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ، لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
1 / 18
ولما عارض بعض التابعين قول رسول الله ﷺ بقول أبي بكر وعمر ﵄ في متعة الحج، رد عليهم ابن عباس، ﵄، وقال: «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله ﷺ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر».
وإذا كان هذا قول ابن عباس، ﵄، لمن عارض قول رسول الله ﷺ بقول الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر ﵄، فكيف بمن عارض قول رسول الله ﷺ بقول فلان وعلان، ممن زعم أنهم أفتوا بجواز الاحتفال بالمولد، وأثنوا على هذا العمل، فهذا القول مردود على قائليه، وفي الأحاديث التي تقدم ذكرها عن العرباض بن سارية، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وعائشة، ﵃، أبلغ رد عليهم، وعلى الرفاعي الذي قدم أقوالهم على أقوال رسول الله ﷺ.
وقد روى الترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة» قالوا من هي يا رسول الله قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، وروى الطبراني نحوه من حديث أنس بن مالك، وأبي أمامة، ووائلة بن الأسقع، ﵃.
ومن المعلوم عند أهل العلم أن الاحتفال بالمولد لم يكن في عهد
1 / 19
رسول الله ﷺ ولا في عهد أصحابه، ولا في القرون الثلاثة المفضلة، وإنما حدث ذلك بعد زمان رسول الله ﷺ، بنحو من ست مائة سنة، وما لم يكن عليه رسول الله ﷺ وأصحابه، ﵃، فلا شك أنه مذموم ويخشى على فاعله أن يكون من الثنتين وسبعين فرقة التي أخبر النبي ﷺ أنها في النار.
وقد استدل الرفاعي على أن عيد المولد بدعة حسنة محمودة بثناء أبي شامة على سلطان إربل الذي ابتدع عيد المولد وهو الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ابن زين الدين علي بن بكتكين التركماني، واستدل أيضًا بأقوال لبعض الذين ألفوا في المولد واستحسنوا الاحتفال به، وأفتوا بجواز ذلك.
والجواب أن يقال: إن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الرأي والاستحسان والابتداع، ولا قول لأحد مع رسول الله ﷺ، وقد تقدم في الأحاديث الثابتة عنه ﷺ أنه قال: «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقال أيضًا: «وشر الأمور محدثاتها»، وقال أيضًا: «من عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، فهذه النصوص تقضي على كل ما خالفها من أقوال الناس واستحسانهم، وقد تقم قول الشافعي -رحمه الله تعالى- أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد. وتتقدم في وصف الفرقة الناجية من هذه الأمة أنهم من كان على مثل ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه ﵃.
1 / 20
وقد ذم الاحتفال بالمولد عدد كثير من أكابر العلماء، وعدوا ذلك من البدع، وسيأتي ذكر أقوالهم في آخر الكلام على ما يتعلق ببدعة المولد إن شاء الله تعالى.
وقد روي الإمام أحمد في الزهد عن ابن مسعود، ﵁ أنه قال: «عليكم بالسمت الأول»، وروى محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة" عنه، ﵁، أنه قال: «إنكم اليوم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول»، وروى الإمام أحمد، ومحمد بن نصر عنه، ﵁ أنه قال: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة»، وروى أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمر ﵄ أنه قال «من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد ﷺ كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ﷺ ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد ﷺ، كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة»، وقد روى رزين نحو هذا عن عبد الله بن مسعود ﵁.
وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية: رحمه الله تعالى، الأفضل للناس اتباع السلف الصالح في كل شيء، انتهى.
وقال الراجز وأحسن فيما قال:
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
والثناء على من ابتدع عيد المولد واستحسان بعض الناس لبدعة
1 / 21
المولد، وإفتاؤهم بجوازها لا شك أنه من أخطاء العلماء وزلاتهم. وقد ورد التحذير من تتبع أخطاء العلماء وزلاتهم، وبيان أنها من هوادم الإسلام. فروى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء، ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «أخاف على أمتي ثلاثًا: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، والتكذيب بالقدر»، وروى أبو نعيم في الحلية عن عمرو بن عوف المزني، ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إني أخاف على أمتي من بعدي، ثلاثة أعمال» قالوا: وما هي يا رسول الله، قال: «زلة عالم، وحكم جائر، وهوى متبع»، وروى البيهقي عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أشد ما أتخوف على أمتي زلة عالم، وجدل منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم»، وروى الطبراني في الصغير عن معاذ بن جبل ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إني أخاف عليكم ثلاثًا، وهي كائنات، زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تفتح عليكم»، وروى الدارمي، وأبو نعيم في الحلية عن زياد بن حدير قال: قال لي عمر ﵁، هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا. قال «يهدمه، زلة عالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين»، وروي الإمام أحمد في الزهد عن أبي الدرداء ﵁ قال: «إنما أخشى عليكم زلة عالم، وجدال المنافق بالقرآن»، وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا فليتأملها الرفاعي الذي قد اعتمد على زلات بعض العلماء في استحسان بدعة المولد، وقدمها على النصوص الثابتة عن النبي ﷺ في التحذير من البدع وبيان أنها شر وضلالة.
وإذا علم أنه لا دليل مع الذين قالوا بجواز بدعة المولد
1 / 22
واستحسانه، وأنهم قد زلوا واخطئوا حيث خالفوا الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ في التحذير من البدع، وبيان أنها شر وضلالة، وأنها مردودة على من أحدثها، ومن عمل بها. وقد خالفوا أيضا هدي رسول الله ﷺ وما كان عليه الصحابة ﵃، والتابعون لهم بإحسان، فليعلم أيضًا أن القائلين بجواز بدعة المولد واستحسانها قد خالفهم كثير من المحققين، وردوا عليهم، وصرحوا بذم الاحتفال بالمولد، وأن ذلك من البدع السيئة، وسيأتي ذكر أقوالهم في آخر الكلام على ما يتعلق ببدعة المولد إن شاء الله تعالى.
وأما زعم الرفاعي أن علماء أهل السنة والجماعة أفتوا بما زعم أنها بدعة حسنة ابتدعت في الإسلام، وأنهم أثنوا عليها.
فجوابه أن يقال: أما علماء أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدي من بعدهم، فكلهم على إنكار البدع في الدين على سبيل العموم. ومن زعم أنهم استحسنوا شيئًا من البدع في الدين وأفتوا بها وأثنوا عليها فقد تقول عليهم. وأما المتساهلون ببعض البدع من المتأخرين الذين ذكرهم الرفاعي واعتمد على أقوالهم في استحسان بدعة المولد، فهؤلاء محجوجون بقول النبي ﷺ: «كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وبقوله أيضًا: «وشر الأمور محدثاتها»، وبقوله أيضًا: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾، وسيأتي ذكر أقوال
1 / 23