ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كفُّوا السِّلَاحَ". ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا مِنْ كَدَاءَ فِي كَتِيبتِهِ الخَضْرَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ ﵃، وَذَلِكَ بُكْرَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ رَاكِبٌ نَاقَتَهُ القَصْوَاءَ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ ﵄ خَلْفَهُ، عَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، وَاضِعًا رَأْسَهُ الشَّرِيفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ تَوَاضُعًا للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الفَتْحِ، حَتَّى إِنَّ لِحْيَتَهُ لَتَكَادُ تَمَسُّ وَسَطَ رَحْلِهِ ﷺ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ يُرَجِّعُ بِهَا صَوْتَهُ، وسمي عام الفتح. واغْتَسَلَ فِي دَارِ أمِّ هَانِئٍ ﵂ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي بَيْتِهَا، وَذَلِكَ ضُحًى. ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَالمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَخَلْفَهُ وَحَوْلَهُ، يُهَلِّلُونَ وَيُكَبِّرُونَ، فَأَقْبلَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ في يَدِهِ، ووجد ﵊ حول البيت ثلاثمائة وستين نصبًا، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد". وأحضر له عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة، وطهرت الكعبة من الأصنام والصور، ثُمَّ أَغْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَابَ الكَعْبَةِ، وَمَا كَانَ مَعَهُ فِيها إِلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وَبِلَالُ بنُ رَبَاحٍ، وَعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ، وَصَلَّى فِيهِا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ. وخطب في أهل مكة ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيشٍ! مَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِل بِكُمْ؟ ". قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإخْوَتهِ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلقاءُ" فَعَفَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُمْ جَمِيعًا، وَدَخَلُوا فِي الإِسْلَامِ.
ثم دَفْعُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِفْتَاحَ الكَعْبَةِ إِلَى عُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ، وَنَزَلَ فِي هَذَا المَوْقِفِ قَوْلُه تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. ويَوْمَ الفَتْحِ صَلَّى رَسُولُ اللَّه ﷺ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وحرم-ﷺ بَيْعَ الخَمْرِ وَالمَيْتَةِ والخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ، وحرّم نِكَاحِ المُتْعَةِ تَحْرِيمًا نِهَائِيًّا. وأسلم أبو قُحَافَةَ وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵄.
1 / 336