Le Lumineux Astre dans la Mention des Narrations et Phrases du Hadith du Fauteur
النجم المضيء بذكر روايات وألفاظ حديث المسيء
Maison d'édition
طيبة الدمشقية للطباعة والنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢١ م
Lieu d'édition
سوريا
Genres
النجم المضيء
بذكر روايات وألفاظ
حديث المسيء
تأليف
أبي حمزة غازي بن سالم أفلح
وفقه الله
بحث جامعي تحت إشراف
الأستاذ الدكتور عبد الله بن عتيق المطرفي
الأستاذ المشارك بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية سابقا
1 / 3
حقوق الطبع مباحة لكل مسلم
الطبعة الأولى، ١٤٤٢ - ٢٠٢١
بحث السنة الثالثة من كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الله بن عتيق المطرفي
وقد تمت إجازته بتقدير ممتاز سنة ١٤٢٢
وراجعه جماعة من أهل العلم
1 / 4
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
أما بعد:
فإن العلم خير ما يسعى إليه المرء، إذ الاشتغال به أفضل الأعمال، وأزكاها؛ وما أفنى المرء وقته في شيء خير له من تعلم العلم الشرعي؛ وعلم الحديث من أجل العلوم وأعلاها فهو «علم قديم الفضل، شريف الأصل، دل على شرفه العقل والنقل، وكل حديث في الحث على العلم وفضله فإنه صادق على علم الحديث؛ بل هو العلم الحقيقي والفرد الكامل عند إطلاق لفظ العلم» (^١)،
وحاجة المتعلم إلية ضرورية: فإن تعلمه والعناية به يقوي الحجة، ويظهر المحجة،
وقد صح عن الإمام الشافعي ﵀ أنه قال:
_________
(^١) انظر: مقدمة توضيح الأفكار للأمير الصنعاني ﵀.
1 / 5
١. «مَنْ تَعْلَمَ الْقُرْآنَ (^١) عَظُمَتْ قِيمَتُهُ،
٢. وَمَنْ نَظَرَ فِي الْفِقْهِ (^٢) نَبُلَ مِقْدَارُهُ،
٣. وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ،
٤. وَمَنْ نَظَرَ فِي اللُّغَةِ (^٣) رَقَّ طَبْعُهُ،
٥. وَمَنْ نَظَرَ فِي الْحِسَابِ (^٤) جَزَلَ رَأْيُهُ،
٦. وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ ينْفَعْهُ عِلْمُهُ (^٥)» (^٦).
_________
(^١) وفي رواية: (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ) وفي أخرى: (مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ).
(^٢) وفي رواية: (وَمَنْ تَفَقَّهَ) وفي أخرى (وَمَنْ طَلَبَ الْفِقْهَ).
(^٣) وفي رواية: (وَمَنْ تَعَلَّمَ اللُّغَةَ).
(^٤) وفي رواية: (وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحِسَابَ).
(^٥) وفي رواية: (لَمْ يَصُنْهُ الْعِلْمُ).
(^٦) أخرجه الْحَسَن ابن حمكان في الفوائد والأخبار (٣١)، - ومن طريقه ابن عساكر في التاريخ، ترجمة الشافعي (٥١/ ٤٠٩) -؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم (٥٩٨، ١١١٩٧)؛ والقاضي عياض في الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص: ٢٢١)؛ من طريق الربيع بن سليمان؛ وأخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن (٤٠٥) واللفظ له؛ والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (١٤١) وفي الفقيه والمتفقه (١/ ١٥١)، وفي التاريخ (٨/ ٢١٨/ ت: بشار)؛ وابن عساكر في التاريخ (ترجمة الحسن بن أحمد بن جعفر (١٣/ ٣) من طريق إسماعيل المزني. وأخرجه الخطيب في التاريخ (١٢/ ٢٥٢)، من طريق أبي علي الحسن بن أبي الحسن المقرئ؛ وأخرجه ابن عساكر (ترجمة الحسن بن سعيد بن جعفر/ ١٣/ ٩٤) وابن الجوزي في كتاب المسلسلات (ح: ٦٠) من طريق يونس بن عبد الأعلى، أربعتهم عن الشافعي ﵀. ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (٩/ ١٢٣) بسنده عن الربيع ولفظه: «يَا رَبِيعُ، رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ، فَعَلَيْكَ بِمَا يُصْلِحُكَ فَالْزَمْهُ. فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى رِضَاهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ جَلَّ فِي عُيونِ النَّاسِ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَمَنْ تَعَلَّمَ النَّحْوَ هِيبَ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ رَقَّ طَبْعُهُ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحِسَابَ جَلَّ رَأْيُهُ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْفِقْهَ نَبُلَ قَدْرُهُ، وَمَنْ لَمْ يُضِرْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ وَمِلَاكُ ذَلِكَ كُلِّهِ التَّقْوَى» وإسناده ضعيف فإنه يرويه عن شيخه عثمان بن محمد العثماني؛ قال الذهبي في تاريخ الإسلام (٨/ ٢٤٣): أكثر عنه أبو نُعَيم الحافظ في تواليفه، وهو بصري صاحب حديث لكنّه راوية للموضوعات والعجائب ا. هـ
1 / 6
وقد اعتنى علماء الحديث بهذا العلم الجليل في القديم والحديث،
• فحرروا مسائله،
• وأوضحوا غوامضه،
• وكشفوا عن معانيه،
• وأبانوا عن مجمل مبانيه،
فرحم الله أصحاب الحديث، الذين «سَلَكُوا مَحَجَّةَ الصَّالِحِينَ، وَاتَّبَعُوا آثَارَ السَّلَفِ مِنَ الْمَاضِينَ وَدَمَغُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْمُخَالِفِينَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَجْمَعِينَ؛ مِنْ قَوْمٍ آثَرُوا قَطْعَ الْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ، عَلَى التَّنَعُّمِ فِي الدِّمَنِ وَالْأَوْطَارِ، وَتَنَعَّمُوا بِالْبُؤْسِ فِي الْأَسْفَارِ، مَعَ مُسَاكَنَةِ الْعِلْمِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَنَعُوا عِنْدَ جَمْعِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ بِوُجُودِ الْكِسَرِ وَالْأَطْمَارِ، قَدْ رَفَضُوا الْإِلْحَادَ الَّذِي تَتُوقُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ الشَّهْوَانِيَّةُ، وَتَوَابِعُ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْآرَاءِ وَالزَّيْغِ، جَعَلُوا الْمَسَاجِدَ بُيُوتَهُمْ، وَأَسَاطِينَهَا تَكَّاهُمْ، وَبَوَارِيَها فُرُشَهُمْ» (^١)
وبين يديك-أخي الكريم- بحث لطيف، يتعلق بالحديث المشهور في تعليم الصلاة والمعروف عند أهل العلم بـ (حديث المسيء صلاته) أسميته:
_________
(^١) من معرفة علوم الحديث للحاكم (ص: ١٠٨/ تحقيق أحمد السلوم).
1 / 7
(النجم المضيء بذكر روايات وألفاظ حديث المسيء)
سِرْتُ فيه على سَنَنِ أهل الحديث:
• فجمعت طرقه
• وتتبعت ألفاظه،
• ونقلت أحكام أهل العلم وتعليلاتهم،
• مع فوائد فرائد،
• ومسائل زوائد،
حفزني إليه:
• رغبتي في الوقوف على ألفاظه مجموعة،
• وتشوفي لتحرير القول في كثير من زوائد ألفاظه التي لم تخرج في الصحيحين أو أحدهما،
وقد عشت معه دهرا:
• فقد تم إعداده عام ١٤١٤ هـ
• ثم استوى على سوقه خلال دراستي في السنة الثالثة في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، عام ١٤٢٢ هـ تحت إشراف الشيخ الفاضل الأستاذ الدكتور عبد الله بن عتيق المطرفي جزاه الله خيرا،
• ثم هيأ الله تعالى لي اختصاره في وريقات أسميتها بـ (الكوكب المضيء بتخريج حديث المسيء)، وقام بمراجعته قبل طبعه:
• شيخي المشرف الأستاذ المطرفي،
• وشيخي الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشمراني،
1 / 8
• وشيخي الدكتور صادق بن محمد البيضاني،
• وقد أفدت من ملاحظاتهم جميعا، جزاهم الله خيرا أجمعين،
• وطبعته عام ١٤٢٤ بسعي مشكور من الشيخ الدكتور صادق البيضاني حفظه الله.
• ثم ألح علي، مشايخي وجمع من إخواني على إخراج الأصل، فأذعنت لطلبهم،
• رجاء أن يجد أحد من الباحثين فيه بغيته،
• وتنالني بالخير دعوته،
• فأعدت في الأصل النظر وراجعته مرة بعد مرة
• مفيدا من الملاحظات الواردة،
• والرسائل والبحوث الحادثة،
• راجيا من الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله من العلم النافع في الدارين.
خطة البحث
(١) حاولت تخريج الحديث من جميع مظانه المطبوعة رغبة في الاستقصاء والاستيعاب، وحصر جميع الألفاظ.
(٢) تكلمت على كل طريق من طرق الحديث على حدة، جامعا للفظ كل طريق وحده أولا، وأبين ما زاده بعض الرواة من الألفاظ على بعض، وإن كان المعنى واحدا، ثم أجمع لفظ تلك الطرق في سياق واحد، موضحا مدار
1 / 9
الإسناد من الرواة، لأصل في النهاية إلى لفظ الحديث من جميع الطرق وأسوقه سياقا واحدا.
(٣) ترجمت للرواة غير المشهورين وكذا لبعض المشاهير من الحفاظ عند الحاجة كأن يكون مدار الإسناد عليه، وأغفلت كثيرا من الأعلام لشهرتهم، أو لعدم الحاجة إلى تراجمهم.
(٤) شملت الترجمة الاسم والنسبة وحال الراوي مع ذكر سنة الوفاة على جهة الاختصار مقتبسا ذلك من تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر ﵀؛ مع النظر في تحرير التقريب، ومعجم الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني ﵀ في كتبه، وكذا الكاشف والسير وغيرها من كتب الذهبي ﵀ لمعرفة الخلاف في الرواة، وأذكر الراجح عندي من ذلك.
(٥) إذا عزوت إلى سنن النسائي، فأعني بذلك أن الحديث في سننه الصغرى، والكبرى.
(٦) وإذا عزوت إلى الطحاوي، فمرادي بذلك أن الحديث مخرج في كتابيه، شرح معاني الآثار، وشرح مشكل الآثار.
(٧) وما كان خلاف ذلك بينته.
(٨) كل من أبرزته من رجال السند فقد صح -عندي-الإسناد إليه.
(٩) عند العزو إلى الصحيحين والسنن الأربعة وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان، ومنتقى ابن الجارود ومستدرك الحاكم، ونحو هذه المصنفات، أذكر الكتاب واسم الباب ورقم الحديث إن وجد، أو الجزء والصفحة إن لم يوجد ترقيم،
(١٠) وأما المسانيد ونحوها فإني أذكر رقم الجزء والصفحة وربما ذكرت رقم الحديث إن رجعت فيه إلى طبعة مرقمة.
1 / 10
وقد انتظم هذا البحث في:
(مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة) على النحو التالي:
(١) المقدمة:
ذكرت فيها المنهج الذي سرت عليه مع بعض الفوائد والتنبيهات المتعلقة بالبحث
(٢) التمهيد:
ذكرت فيه قصة هذا الحديث إجمالا مع بعض كلمات للأئمة العلماء والسادة الفقهاء في بيان أهمية العناية بهذا الحديث وكيفية الاستدلال به
(٣) الباب الأول
وذكرت فيه الحديث من رواية أبي هريرة ﵁ وتحته ثلاثة فصول:
[١] الفصل الأول: في تخريج الحديث وبيان طرقه والخلاف في سنده
[٢] الفصل الثاني: في ذكر ألفاظه وتحته مبحثان:
* المبحث الأول: ذكر لفظه من طريق عبيد الله بن عمر العمري،
* وجعلته في خمسة مطالب بعدد رواة هذا الحديث عنه
* المبحث الثاني: ذكر لفظه من طريق عبد الله بن عمر العمري وهو أخي عبيد الله المتقدم
* وجعلته في مطلبين بعدد رواة هذا الحديث عنه
[٣] الفصل الثالث: وتحته مبحثان:
* المبحث الأول: في ذكر لفظ الحديث في سياق واحد من جميع الطرق المتقدمة.
1 / 11
* المبحث الثاني: في ذكر أهم النتائج.
(٤) الباب الثاني
وذكرت فيه الحديث من رواية رفاعة بن رافع ﵄ وتحته أربعة فصول:
[١] الفصل الأول في ذكر سند الحديث والخلاف فيه
[٢] الفصل الثاني: في ذكر ألفظه وتحته سبعة مباحث:
* المبحث الأول: ذكر لفظه من طريق داود بن قيس
* المبحث الثاني: ذكر لفظه من طريق محمد بن عجلان
* المبحث الثالث: ذكر لفظه من طريق محمد بن إسحاق
* المبحث الرابع: ذكر لفظه من طريق يحيى بن علي
* المبحث الخامس: ذكر لفظه من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
* المبحث السادس: ذكر لفظه من طريق شريك بن أبي نمر
* المبحث السابع: ذكر لفظه من طريق عبد الله بن عون
[٣] الفصل الثالث: في ذكر خطأ بعض الرواة في الحديث وترجيح الصواب في ذلك
[٤] الفصل الرابع: في ذكر لفظ الحديث وتحته مبحثان:
* المبحث الأول: سياق الحديث كاملا
* المبحث الثاني: ذكر الألفاظ الزائدة في حديث رفاعة على حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 12
(٥) الباب الثالث
ذكرت فيه شرح الحديث من فتح الباري للحافظ ابن حجر مع التعليق عليه
(٦) الخاتمة
وضمنتها أهم النتائج والفوائد التي وصل إليها البحث
وختمت هذا البحث بذكر أهم المصادر والمراجع التي استفدت منها على حروف المعجم مع فهرست للآيات والأحاديث والأعلام والمواضيع والفوائد
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقني لكل خير وأن ينفعني بما علمني وأن يجزي عني مشايخي ومن صبر علي في تعليمي خير الجزاء
1 / 13
كلمة شكر
ولست أنسى عرفانا بالجميل، واستجابة لحديث النبي الكريم ﷺ القائل «مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ لَا يَشْكُرِ اللَّهَ» (^١)، أن أتقدم بالشكر والتقدير لشيخي الفاضل الأستاذ الدكتور عبد الله بن عتيق المطرفي حفظه الله على ما أبداه من الملاحظات النافعة خلال فترة إشرافه على هذا البحث والتي أسهمت كثيرا في إخراجه بهذه الصورة المشرقة والشكر موصول إلى الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح الشمراني والشيخ الدكتور صادق البيضاني وكل من مد لي يد العون وأعانني على إتمام هذا البحث من مشايخي وإخواني طلبة العلم
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨].
وكتبه
أبو حمزة
غازي بن سالم بن صالح أفلح البدْوِي
غرة المحرم عام ١٤٢٢ هـ
_________
(^١) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف (٤٨١٣)؛ والترمذي في جامعه، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك (٢٠٨١)؛ وأحمد في المسند (٢/ ٢٥٨، ٢٩٥، ٣٠٢، ٣٨٨، ٤٦١، ٤٩٢)، والبخاري في الأدب المفرد، باب من لم يشكر للناس (٢١٨)، وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان لابن بلبان الفارسي، كتاب الزكاة، باب المسألة والأخذ وما يتعلق به من المكافأة والثناء والشكر، (٣٤٠٧)؛ من طرقٍ عن الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ به. وسنده صحيح على شرط مسلم؛ وله شواهد، انظر السلسلة الصحيحة (٤١٦)، وهو في الجامع الصحيح لشيخنا مقبل ﵀. قال المنذري في الترغيب والترهيب: روي هذا الحديث برفع (الله) وبرفع (الناس) وروي أيضا بنصبهما وبرفع (الله) ونصب (الناس) وعكسه أربع روايات ا. هـ ونقل المناوي في فيض القدير نحوه عن ابن العربي، ثم قال: قال الزين العراقي: والمعروف المشهور في الرواية نصبهما. ا. هـ
1 / 14
التمهيد
1 / 15
دلالة حديث المسيء
• حديث المسيء صلاته من الأحاديث الأصول في باب "تعليم صفة الصلاة المجزئة"، فقد اشتمل على جل أركانها وواجباتها، حتى كثر استدلال أهل العلم به، واشتهر في دواوين السنة، فأخرجه أصحاب الصحاح، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء، وكثر المعتنون بشرحه، وتتبع ألفاظه، ورواياته،
• وقد اشتهر وعرف بينهم بـ (حديث الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) (^١) لأن هذا الصحابي ﵁ دخل مسجد المدينة فصلى ورسول الله ﷺ يرمقه، فأخف
_________
(^١) ويقال أيضا حديث "المسيء في صلاته" وقد عبر بهذ الوصف الحافظ الدارقطني المتوفى عام (٣٨٥ هـ) في كتابه التتبع (ح ٩) فقال: … قصة الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ا. هـ وتبعه العلماء ممن جاء بعده ولم يوجد من العلماء حسب اطلاعي من أنكر هذه التسمية، لكن وجد في عصرنا من أنكر هذه التسمية أو تحرج من إطلاقها، قال العلامة الشيخ ابن عثيمين ﵀ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (٢/ ٨) ": هذه العبارة لم ترد عن الصحابة، فلا أحب أن يعبر بها؛ لأن الإساءة إنما تكون في الغالب عن قصد، وهذا الرجل لم يقصد، وعليه إذا لم تثبت عن الصحابة، فنقول: الأولى أن يعبر فيقال: حديث الجاهل في صلاته؛ لأنه جاهل هذا هو حقيقة الأمر ا. هـ وسمعت تسجيلا للشيخ صالح العصيمي حفظه الله يشدد في هذا ويقول ما ملخصه: هذه التسمية متأخرة وهي مهجورة ثم ذكر نحوا مما قاله الشيخ ابن عثيمين ﵀. والذي يظهر أنه لا محذور في ذلك والقول بأن فيها إساءة أدب مع الصحابة غير ظاهر، ولا أدل على ذلك من تتابع العلماء على ذلك دون نكير. فليسعنا ما وسعهم. وليس هو من الألفاظ التعبدية التي تحتاج إلى توقيف وكونها لم تعرف في زمن الصحابة بهذا اللفظ لا يدل على كونها خطأ أو سوء أدب بل قد قالوا في وصف الصحابي (إنه لا يتم الصلاة …) وفي المسند (١٥/ ٤٩٤) رقم (٩٧٩٦) - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ، وَفِي مُؤَخَّرِ الصُّفُوفِ رَجُلٌ، فَأَسَاءَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا فُلَانُ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ أَلَا تَرَى كَيْفَ تُصَلِّي؟ …» الحديث وهو في صحيح مسلم (٤٢٣/ ١٠٨) بلفظ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، إِنِّي وَاللهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» وفي تاريخ واسط (ص: ٤٩) من حديث الْحَكَمِ بْنُ فُضَيْلٍ -وهو ضعيف- عَنْ شَيْبَةَ بْنِ مُسَاوِرٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُرَّةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي فَأَسَاءَ الصَّلاةَ، فَانْفَتَلَ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ. فَقَالَ لَهُ: قَدْ صَلَّيْتُ. قَالَ: صَلِّ. قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُصَلِّيَنَّ. وَاللَّهِ لا تَعْصِي اللَّهَ جِهَارًا. والمقصود أن التعبير بالإساءة له أصل، وليس من باب سوء الأدب والله أعلم.
1 / 17
صلاته، ولم يتم ركوعها ولا سجودها، فلما انصرف جاء فسلم على رسول الله ﷺ، فرد عليه النبي ﷺ وبين له أن صلاته غير صحيحة؛ فأعادها، ثم أعادها، والرسول ﷺ في كل ذلك يأمره بإحسانها، حتى قال علمني يا رسول الله كيف أصلي؟ فلما سأل التعليمَ، وطلب البيانَ، وكله شوق لمعرفة الصفة الصحيحة للصلاة، علمه النبي ﷺ كيف يصلي، تعليما واضحا بينا لا يستغني عن معرفته المسلم،
• فصار الحديث بهذا عند العلماء هو الحجة في بيان صفة الصلاة، والمحجة في معرفة الواجب من أفعالها، وما لا تتم الصلاة إلا به من أعمالها.
• قال الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: ٦٧٦) ﵀:
1 / 18
"هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى فَوَائِد كَثِيرَة، وَلْيُعْلَم أَوَّلًا أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى بَيَان الْوَاجِبَات دُون السُّنَن … وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِ وَاجِبَات الصَّلَاة لَا تَصِحّ صَلَاته، وَلَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بَلْ يُقَال: لَمْ تُصَلِّ" ا. هـ (^١)
• وقال الإمام تقي الدين محمد بن علي القشيري المشهور بابن دقيق العيد (ت: ٧٠٢) ﵀:
" تَكَرَّرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الِاسْتِدْلَال عَلَى وُجُوبِ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ، وَعَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ. فَأَمَّا وُجُوبُ مَا ذُكِرَ فِيهِ: فَلِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهِ
وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ غَيْرِهِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، بَلْ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ، وَبَيَانٍ لِلْجَاهِلِ، وَتَعْرِيفٍ لِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْوَاجِبَاتِ فِيمَا ذَكَرَ. وَيُقَوِّي مَرْتَبَةَ الْحَصْرِ: أَنَّهُ ﷺ ذَكَرَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِسَاءَةُ مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي، وَمَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ إسَاءَتُهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُقْصِرْ الْمَقْصُودَ عَلَى مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِسَاءَةُ فَقَطْ …
• ثم قال ﵀: إلَّا أَنَّ عَلَى طَالِبِ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا ثَلَاثَ وَظَائِفَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَجْمَعَ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُحْصِيَ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ وَيَأْخُذَ بِالزَّائِدِ فَالزَّائِدِ. فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ … إلخ ا. هـ (^٢)
_________
(^١) شرح صحيح مسلم (٤/ ٣٢٧).
(^٢) إحكام الأحكام (٢٥٩ - ٢٦٠)
1 / 19
• وقال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت: ٧٢٨) ﵀:
فَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ ذَلِكَ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ بِأَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ.
وَأَمْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إذَا أُطْلِقَ كَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبَ
وَأَمَرَهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِالطُّمَأْنِينَةِ كَمَا أَمَرَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَأَمْرُهُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْإِيجَابِ.
وَأَيْضًا: قَالَ لَهُ «فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» فَنَفَى أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ الْأَوَّلُ صَلَاةً
وَالْعَمَلُ لَا يَكُونُ مَنْفِيًّا إلَّا إذَا انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ وَاجِبَاتِهِ. فَأَمَّا إذَا فُعِلَ كَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ ﷿ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِانْتِفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ هَذَا نَفْيٌ لِلْكَمَالِ. كَقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» (^١) فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ هُوَ لِنَفْيِ الْكَمَالِ لَكِنْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْمُسْتَحَبَّاتِ؟
_________
(^١) ضعيف مرفوعا؛ روي من حديث أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة ﵃، وروي عن علي موقوفا؛ قال الحافظ في التلخيص الحبير ط العلمية (٢/ ٧٧) مَشْهُورٌ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ لَهُ إسناد ثابت أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ا. هـ قلت: قوله: (وفي الباب عن علي) يعني موقوفا. أخرجه الدارقطني (١/ ٤٢٠) كتاب الصلاة: باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر، من طريق أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي ﵁ قال: «من كان جار المسجد فسمع المنادي ينادي فلم يجبه من غير عذر فلا صلاة له». قال صاحب "التعليق المغني": الحارث هو الأعور ضعيف جدا لا يحتج به ا. هـ وصح عن علي من وجه آخر.
قال الحافظ في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (٢/ ٢٩٣): … وَقَالَ ابْن حزم هَذَا الحَدِيث ضَعِيف وَقد صَحَّ من قَول عَلّي ﵁ انْتَهَى وَهُوَ عِنْد الشَّافِعِي من طَرِيق أبي حَيَّان التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيه عَنْ عَلّي بِهِ وَزَاد قيل وَمن جَار الْمَسْجِد قَالَ من أسمعهُ الْمُنَادِي وَرِجَاله ثِقَات ا. هـ قلت: رواه السفيانان وهشيم وغيرهم عن أبي حيان به. كما في مصنفي عبد الرزاق (١٩١٥) وابن أبي شيبة (٣٤٨٨). وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان ثقة روى له الجماعة ووالده وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، واعتمد ذلك الذهبي في الكاشف فقال عنه: ثقة. وهو الصواب. وانظر: الإرواء (٤٩١)؛ والسلسلة الضعيفة (١٨٣)، كلاهما للشيخ الألباني ﵀.
1 / 20
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَحَقٌّ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَبَاطِلٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللَّهِ ﷿ وَلَا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ قَطُّ وَلَيْسَ بِحَقِّ. فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا كَمُلَتْ وَاجِبَاتُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ نَفْيُهُ؟ وَأَيْضًا فَلَوْ جَازَ لَجَازَ نَفْيُ صَلَاةِ عَامَّةِ الْأَوَّلِينَ والآخرين لِأَنَّ كَمَالَ الْمُسْتَحَبَّاتِ مِنْ أَنْدَرِ الْأُمُورِ. وَعَلَى هَذَا: فَمَا جَاءَ مِنْ نَفْيِ الْأَعْمَالِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ وَاجِبَاتِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]،
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٤٧]، وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات: ١٥] الْآيَةَ، وقَوْلِه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور: ٦٢] الْآيَةَ؛ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
1 / 21
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُهُ ﷺ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» (^١)
و«لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (^٢)
_________
(^١) حسن لغيره، روي من حديث أنس وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة وثوبان وعبادة بن الصامت وأبي موسى الأشعري ﵃ وبعض هذه الطرق تصلح للاعتبار ويشهد بعضها لبعض؛ وقد فصلت طرقه وتكلمت عليه في بحث مستقل، وأمثلها حديث أنس ﵁: أخرجه أحمد ٣/ ١٣٥، ١٥٤، ٢١٠ وغيره من طرق عن أبي هلال الراسبي، قال: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك ﵁ قال: ما خطبنا نبي الله ﷺ إلا قال: فذكره؛ وزاد: «وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ». وأبو هلال الراسبي ضعفه جماعة منهم البخاري والنسائي ووثقه أبو داود وابن معين في رواية والدارقطني كما في سؤالات الحاكم، فهو حسن الحديث، وقد توبع فقد أخرجه أحمد ٣/ ٢٥١ قال: حدثنا عفان، حدثنا حماد، حدثنا المغيرة بن زياد الثقفي، سمع أنس بن مالك ﵁ يقول: إن رسول الله ﷺ قال فذكره. لكن المغيرة هذا مجهول لا يعرف إلا في هذا الإسناد. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (٢١٤٦) قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي، حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، والليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد الكندي، عن أنس بن مالك ﵁، أن النبي ﷺ قال: «لا إيمان لمن لا أمان له، والمعتدي في الصدقة كمانعها». وأخرجه أبو داود (١٥٨٥) والترمذي (٦٤٦) وابن ماجة (١٨٠٨) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك به (الجملة الثانية فقط). قال أبو عيسى الترمذي: حديث أنس حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم أحمد ابن حنبل في سعد بن سنان، وهكذا يقول الليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك. ويقول عمرو بن الحارث، وابن لهيعة: عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس. قال: وسمعت محمدا يقول: والصحيح سنان بن سعد ا. هـ قلت: وسنان بن سعد مختلف فيه وثقه ابن معين وأحمد بن صالح المصري والعجلي، وضعفه آخرون. وقال فيه الحافظ في التقريب: صدوق له أفراد ا. هـ
(^٢) رواه بهذا اللفظ: أبو عوانة في المستخرج (١٦٦٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وإسناده صحيح. والحديث أيضا بنحوه متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم فى الصلوات كلها … رقم (٧٥٦)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة فى كل ركعة … (٩٠٠)، من حديث عبادة بن الصامت ﷺ بلفظ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
1 / 22
و: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِوُضُوءٍ» (^١)؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» (^٢) فَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ الإشبيلي: أَنَّهُ رَوَاهُ بِإِسْنَادِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَبِكُلِّ حَالٍ: فَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ وَلَكِنَّ نَظِيرَهُ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» (^٣). وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ الْمُنَادِيَ وَالصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ: مِنْ الْوَاجِبَاتِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ﵁ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي. فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ «قَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: مَا أَجِدُ
_________
(^١) جاء من طرق ضعيفة ومن حديث جماعة من الصحابة ﵃، منهم أبو سبرة وأبو سعيد، وسهل، وغيرهم وتمامه: «وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ»، وفي معناه حديث ابن عمر ﵄ في صحيح مسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاة بِغَيْرِ طَهُورٍ».
(^٢) صحيح موقوفا عن علي ﵁ كما تقدم وكما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ﵀.
(^٣) رواه ابن ماجه (١٦٣) وغيره، من حديث ابن عباس ﵄، قال ابن عبد الهادي في المحرر، والحافظ في بلوغ المرام: إسناده على شرط مسلم، وقد أعل بالوقف. وقال ابن رجب في " فتح الباري" (٥/ ٤٤٩): وَقْفُهُ هو الصحيحُ عندَ الإمامِ أحْمَدَ وغيرِه ا. هـ وانظر: الإرواء (٥٥١)، وتخريج المحرر للشيخ سليم (٣٧١).
1 / 23