The Reality of Servitude
حقيقة العبودية
Maison d'édition
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Lieu d'édition
القاهرة
Genres
وليس أدل على أن العقل هو مفتاح المعرفة، وأنه من خلاله يمكن للمرء الوصول إلى معرفة الله لدرجة لم يصل إليها مخلوق قط؛ ما حدث في قصة آدم ﵇ وإخباره ﷾ للملائكة أنه سيخلق مخلوقًا جديدًا يعبده بالغيب في الأرض، فماذا قالوا له: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة:٣٠]. فكان الجواب من الله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٣٠]. ثم كان البيان العملي الذي ظهرت من خلاله القدرات العقلية لهذا المخلوق: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة:٣١ - ٣٣].
إن الوظيفة الأساسية للعقل هي استخدامه في معرفة الله ﷿ ومن ثَمَّ عبادته.
والمتدبر للقرآن الكريم يجد فيه الكثير من الآيات التي تحث القارئ على استخدام عقله للاستدلال على وجود الله وعلى أسمائه وصفاته كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [المؤمنون:٨٠]، وقوله: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد:٤]، بل ويؤكد علينا أن من لا يستخدم عقله فيما خُلق من أجله فقد هوى وأصبح من أشر الدواب: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال:٢٢].
ويذكرنا بأن أهل النار سيتأكدون من هذه الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك:١٠].
مجالات استخدام العقل:
أودع الله ﷿ في عقل الإنسان إمكانات هائلة تمكنه من القيام بالمهمة التي خُلق من أجلها، ومما يؤكد على وجود هذه الإمكانات تلك الاختراعات التي اخترعها العقل البشري في شتى المجالات مما أفاد البشرية كثيرًا، ويسَّر على الناس سبل الحياة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا لو أحسنا استخدام عقولنا في اتجاه معرفة الخالق ﷾ لارتفعنا إلى آفاق عُلا، ولتمكنا - بإذن الله - من عبادته وكأننا نراه ..
فإن قلت: وكيف لنا أن نستخدم عقولنا في معرفة الله، وبخاصة أنه لا يمكن لأحد من الخلق أن يحيط به علما؟!
نعم، الله ﷿ لا يمكن لأحد أن يحيط به علمًا، فلا يعرف الله إلا الله: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان:٥٩]، وكما في الحديث: "لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وفي الوقت نفسه فإن معاملة الله بما يليق بجلاله، وإظهار صورة العبودية الحقة له لن تتم إلا من خلال معرفته ..
فكيف يستطيع العبد معرفة ربه وهو لا يراه، ولا يحيط به علمًا؟!
لابد أن تكون هناك سُبل لمعرفته سبحانه وإلا لما استطعنا القيام بحقوق العبودية ..
1 / 30