اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب
اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب
Maison d'édition
دار المسلم للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Lieu d'édition
الرياض - المملكة العربية السعودية
Genres
اللّبَاب
فِي تَفْسِير الإستعاذة والبسملة وفاتحة الْكتاب
تأليف
الدكتور سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم اللاحم
دَار الْمُسلم للنشر والتوزيع
Page inconnue
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أمر بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فقال- ﷿ ﴿فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ (١). والحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وحمد نفسه على إنزاله، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ (٢). وافتتح سوره سورة سورة بقوله- تعالى- ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ سوى سورة براءة، لما له في ذلك من الحكمة ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ (٣).
أحمده-تعالى - على أن هدانا للإسلام، وخصنا بالقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس.
فلك الحمد ربي بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بإرسال محمد ﷺ خير الأنام، ولك الحمد على نعمك التي لا تحصى على الدوام.
ولك الحمد على أن وفقت خلاصة من العباد، نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة هذا القرآن حفظًا وتجويدًا، وتعلمًا وتعليمًا، ودراسة
_________
(١) سورة النحل، الآية: ٩٨.
(٢) سورة الكهف: الآية: ١.
(٣) سورة الزخرف، الآية: ٨٤.
1 / 3
وتفسيرًا، واستخراجًا لما فيه من الهداية، وبيان العقائد والأحكام، والحلال والحرام، ولما اشتمل عليه من الأخلاق والآداب والمواعظ الجسام. ينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
كل ذلك تحقيقًا لوعدك، حيث قلت، وقولك الحق: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (١).
وصلى الله وسلم، وبارك على المعلم الأول أفضل الحامدين، وخيرة الشاكرين، وسيد الخلق أجمعين، نبينا محمد الذي أنزل الله عليه هذا الكتاب ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور. قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (٢).
فقام به ﷺ حتى تفطرت قدماه (٣)، وأقرأه أمته وبلبغهم إياه، وعلمهم ما فيه من الهداية والأحكام، وأوصاهم قبل وفاته ﷺ بقوله: «إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا
_________
(١) سورة الحجر، الآية: (٩).
(٢) سورة إبراهيم، الآية: ١.
(٣) أخرج مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم - حديث (٢٨٢٠) عن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورا»، وأخرج البخاري معلقًا _في التهجد قول عائشة فقط بلفظ «كان يقوم حتى تفطر قدماه» وأخرجا نحوه من حديث المغيرة بن شعبة عند البخاري حديث ١١٣٠، وعند مسلم حديث ٢٨١٩.
1 / 4
به. . . ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. . .» الحديث (١). فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزى نبيًا عن أمته، فقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فعليه من الله أزكى الصلاة، وأتم التسليم.
ورضي الله عن صحابته الكرام، الذين كانوا إذا تعلموا عشر آيات من القرآن لم يتجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا (٢)، تعلموه، وعملوا بما فيه، وعلموه من بعدهم، ونقلوه بحروفه ومعانيه وأحكامه إلى أقطار الدنيا كلها، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
ورحم الله من جاء بعدهم، من سلف هذه الأمة من التابعين وتابعيهم، ومن تبعهم، الذين قاموا بخدمة هذا الكتاب، بما دونوا من مؤلفات فيها بيان معانيه وأحكامه، وحلاله وحرامه، وناسخه
ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وأسباب نزوله، ومكيه ومدنيه وسائر علومه فرحمهم الله، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
وعم بالرحمة كل من رفع بهذا الكتاب رأسا، أو قدم له خدمة، مبتغيًا بذلك وجه الله والدار الآخرة وبعد:
_________
(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة - فضائل علي بن أبي طالب ﵁ حديث (٢٤٠٨)
(٢) أخرج هذا الطبري من حديث ابن مسعود، وأبي عبد الرحمن السلمي بإسنادين صحيحين _الأثرين (٨١)، (٨٢).
1 / 5
فإن الاشتغال بعلم كتاب الله- تعالى- هو أجل عمل وأشرفه، وأرفعه مترلة، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه عثمان بن عفان ﵁: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري (١).
ولا شك أن الهمم قد قصرت، والموانع من اللحاق بأهل العزم قد كثرت. حتى أصبح ما نقرأه في سير علمائنا السابقين وما قاموا به من جهود في التعليم والتأليف أشبه شيء بالخيال ﵏ رحمة واسعة وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ونظمنا في سلكهم، ولو بالتشبه بأولئك الأماجد الأخيار، وكما قيل:
فتشبهوا إ ن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح
«وما لا يدرك جله لا يترك كله».
ولقد كان من أهم الأسباب التي دعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع ما يلي:
أولًا: أن الاستعاذة عند والبسملة هما المدخل لكتاب الله - تعالى- فقد أمر - تعالى - بالاستعاذة عند قراءة القرآن، وافتتح سوره كلها سوى براءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فيشرع للمسلم أن يفتتح قراءته بهما، في الصلاة أو خارجها، وأن يعرف معناهما وأحكامهما.
_________
(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن - باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. الحديث ٥٠٢٧.
1 / 6
ثانيًا: أنني رأيت كلام أهل العلم ﵏ على الاستعاذة والبسملة والفاتحة مفرقًا في كتب التفسير والقراءات، وكتب الحديث والفقه والأحكام، لا يجمعه كتاب على وجه تتم به الفائدة، لا من كتب التفسير، ولا من غيرها.
ثالثًا: أن سورة الفاتحة: افتتح الله بها كتابه العزيز، وهي أعظم وأفضل سورة في القرآن الكريم.
رابعًا: أن هذه السورة تحوي من المعاني والفوائد والأحكام الشيء الكثير، وقد جاء في الأثر أنها تتضمن جميع معاني القرآن الكريم، وبهذا قال بعض أهل العلم كما سيأتي بيانه. ولهذا أفردها بعض أهل العلم بالتأليف كابن القيم في كتابه القيم «مدارج السالكين بيين منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾» وناهيك به من كتاب، كما خصصها جمع من المفسرين بجزء كبير من تفسيره كالرازي مثلا فقد تكلم عليها في مجلد كبير من تفسيره، وكذا أطال الكلام في تفسيرها إمام المفسرين الطبري والحافظ ابن كثير وشيخنا عبد الرحمن الدوسري-﵏ جميعًا-.
خامسًا: أن هذه السورة مما يجب على كل مسلم تعلمها وفهم معانيها إذ عليها مدار صحة الصلاة وبطلانها.
فأردت بهذا العمل أن أجمع شتات كلام أهل العلم - على الاستعاذة والبسملة والفاتحة، وذلك حسب الإمكان راجيًا أن يكون هذا البحث بمثابة مدخل لتفسير كتاب الله -تعالى.
1 / 7
وقد سميت هذا الكتاب: اللباب في تفسير الاستعاذة، والبسملة، وفاتحة الكتاب وبيان ما اشتمل عليه كل منها من المعاني والفوائد والأحكام.
وقد قسمت الكلام إلى بابين:
الباب الأول: الاستعاذة والبسملة - معناهما، وأحكامها- وفيه فصلان:
أ- الفصل الأول الاستعاذة - معناها - وأحكامها - وفيه ثمانية مباحث.
ب- الفصل الثاني: البسملة معناها - وأحكامها- وفيه تسعة مباحث.
الباب الثاني: تفسير سورة الفاتحة، معناها، وأحكامها وفيه فصلان:
الفصل الأول: تفسير سورة الفاتحة وبيان ما فيها من المعاني والفوائد والأحكام.
الفصل الثاني: الأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة وفيه مبحثان.
وقد حرصت على أن أقدم للقارئ خلاصة لأصح ما جاء عن أهل العلم والتحقيق في تفسير الاستعاذة والبسملة (١) وهذه السورة العظيمة،
_________
(١) ذكر ابن عبد البر في «الاستذكار» ١٥٣:٢، أنه صنف كتابًا سماه «كتاب الأنصاف فيما بين المختلفين في بسم الله الرحمن الرحيم من الخلاف». وممن أفرد البسملة بالتأليف ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والخطيب وابن طاهر وابن عبد الهادي وأبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي والرازي والقرطبي وابن كثير وغيرهم. انظر: «صحيح ابن خزيمة» ١: ٢٤٩ - ٢٥٠ «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ١: ٩٥ «نصب الراية» ١: ٣٣٥.
«تفسير ابن كثير» ٣: ٣١٩ طبعة دار الشعب.
1 / 8
سورة الفاتحة. وبذلت في ذلك جهدي وطاقتي، مع قلة البضاعة وكثرة المشاغل والعوائق.
وقد اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على كتب المحققين من علمائنا ﵏ سواء في التفسير أو غيره، وخاصة كتاب «مدارج السالكين» للإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى - فقد اعتمدت عليه اعتمادًا كبيرًا - خاصة في الكلام على سورة الفاتحة، ونقلت عنه في كثير من المواضع، لأنني لم أجد من تكلم عن هذه السورة بمثل كلامه- رحمه الله تعالى-، وقد أشفقت أن أختصر كلامه أحيانًا فتجيء عبارتي قاصرة عن الوفاء بمضمون كلامه الذي هو في غاية الدقة والتحقيق وحسبي أني أحلت إليه.
والله أسأل أن يرزقني وجميع إخواني المسلمين الإخلاص في القول والعمل إنه جواد كريم بر رؤوف رحيم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 9
الباب الأول
الاستعاذة والبسملة، معناهما، وأحكامهما
وفيه فصلان:
الفصل الأول: الاستعاذة، معناها، وأحكامها وفيه ثمانية مباحث
الفصل الثاني: البسملة، معناها، وأحكامها وفيه تسعة مباحث
1 / 11
قال الله تعالى:
﴿فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم﴾ سورة النحل، الآية: ٩٨
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
1 / 12
الفصل الأول
الاستعاذة، معناها، وأحكامها
وفيه ثمانية مباحث:
المبحث الأول: صيغ الاستعاذة الصحيحة.
المبحث الثاني: أركان الاستعاذة.
المبحث الثالث: الاستعاذة ليست بآية من القرآن.
المبحث الرابع: إعراب الاستعاذة ومعناها.
أ - إعرابها.
ب - معناها.
المبحث الخامس: أحكام الاستعاذة.
أ - مكان الاستعاذة من القراءة.
ب - حكمها عند قراءة القرآن في الصلاة أو خارجها.
ج - هل يتعوذ في الصلاة في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط.
د - حكم الجهر بها أو الإسرار.
المبحث السادس: المواضع التي تشرع فيها الاستعاذة.
المبحث السابع: بيان أن شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس، ومن النفس «المذمومة».
المبحث الثامن: السبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده.
1 / 13
المبحث الأول
صيغ الاستعاذة الصحيحة
الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وعلى هذا اللفظ دل الكتاب والسنة.
قال الله - تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ (١).
وعن سليمان ين صرد ﵁ قال: استبَّ رجلان عند النبي ﷺ ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبا، قد احمر وجهه،.فقال النبي ﷺ «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي ﷺ فقال: إني لست بمجنون» متفق عليه (٢).
وهذه الصيغة هي المختارة عند أكثر القراء (٣).
منهم: أبو عمرو البصري، وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وعبد الله ابن كثير المكي (٤). وبها كان يتعوذ جمهور السلف من الصحابة والتابعين
_________
(١) سورة النحل، الآية: (٩٨). انظر «الكشف عن وجوه القراءات السبع» ١:٨ - ٩.
(٢) أخرجه البخاري- في الأدب- باب الحذر من الغضب - حديث ٦١١٥، ومسلم- في البر- باب فضل من يملك نفسه عند الغضب- حديث ٢٦١٠.
(٣) انظر «النشر» ١: ٢٤٣.
(٤) انظر «المبسوط» ١: ١٣، «غرائب القرآن» للنيسابوري ١: ١٥، «مجمع البيان» ١: ١٨
1 / 14
منهم: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر (١) ﵄.
وهي اختيار: أبي حنيفة (٢)، والشافعي (٣)، وأحمد بن حنبل (٤) ﵏.
قال مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه «الكشف عن وجوه القراءات السبع (٥)»: «الذي عليه العمل وهو الاختيار أن يقول القاراء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. للآية». وقال ابن عطية في «تفسيره» (٦): «وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس، هو لفظ كتاب الله - تعالى: ﴿أعوذ بالله من الشيطان الرجيم﴾».
الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
يدل على هذا اللفظ، ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري ﵁ في دعاء الرسول ﷺ إذا قام إلى الصلاة في الليل، وفيه:
_________
(١) أخرجها عن عمر- ابن أبي شيبة - في الصلاة - في التعوذ كيف هو قبل القراءة أو بعدها (١): (٢٣٧)، والبيهقي في الصلاة، باب التعوذ بعد الافتتاح (٢): ٣٦. وأخرجها عن عبد الله ابن عمر ابن أبي شيبة في الموضع نفسه.
(٢) انظر «فتح القدير» لابن الهمام ١: ٢٩١، «النشر» ١: (٢٤٣).
(٣) انظر «الأم» ١: ١٠٧، «أحكام القرآن» للشافعي (١): (٦٢)، «المهذب» للشيرازي ا: (٧٩)، «التبيان» للنووي ص٦٤، «تفسير ابن كثير» ١: ٢٤٣.
(٤) انظر «المغني» (٢): (١٤٦)، «إغاثة اللهفان» (١): (١٥٣)، «النشر» (١): (٢٤٣).
(٥) (١): (٨)، وانظر أيضًا «التبصرة» لمكي ص٢٤٦، «الإقناع في القراءات السبع» ١٥١:١.
(٦) ١: (٤٨)، «وانظر الجامع لأحكام القرآن» (١): (٨٦)، «النشر» (١): ٢٤٣ - (٢٤٦)، «المهذب في القراءات العشر» ١: ٣٠.
1 / 15
ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم - الحديث وسيأتي بتمامه» (١).
كما استدل له بقوله - تعالى -: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (٢)
وبقوله- تعالى-: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (٣).
وهي اختيار طائفة من القراء (٤) منهم حمزة (٥)، وسهل بن أبي حاتم (٦)، وهي مروية عن عمر بن الخطاب ﵁ (٧) - وبها يقول الحسن البصري (٨)
ومحمد بن سيرين (٩)، والحسن بن صالح (١٠)، والشافعي (١١)، وأحمد بن حنبل، في رواية النيسابوري (١٢).
_________
(١) انظر: الصيغة الثالثة.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٢٠٠.
(٣) سورة فصلت، الآية: (٣٦).
(٤) انظر «التبيان» للنووي ص (٦٤).
(٥) انظر «الإقناع في القراءات» (١): (١٥٠) - (١٥١)، «إغاثة اللهفان» ١: ١٥٣.
(٦) انظر «غرائب القرآن» (١): (١٥)، «النشر» (١): (٢٤٩).
(٧) أخرجها عن عمر ابن أبي شيبة - في الصلاة - التعوذ كيف هو (١): (٢٣٧).
(٨) أخرجها عن الحسن عبد الرزاق - في الصلاة - متى يستعيذ، الأثر (٢٥٩١)، ́ وابن حزم
في «المحلى» (٣): (٢٤٩).
(٩) انظر «إغاثة اللهفان» ١: ١٥٣.
(١٠) انظر «المجموع» ٣: ٣٢٥.
(١١) انظر «أحكام القرآن» للشافعي (١): (٦٢)، «المجموع» ٣: ٣٢٣.
(١٢) انظر «مسائل الإمام أحمد» للنيسابوري ص٥٠ فقرة (٢٣٨)، «المغني» (٢): (١٤٦)، «إغاثة اللهفان» ١: ١٥٣.
1 / 16
قال أبو عمرو الداني في جامعه: «إن على استعماله عامة أهل الأداء، من أهل الحرمين، والعراقيين، والشام» (١).
الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه
يدل على هذا اللفظ، ما رواه أبو سعيد الخدري ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه» (٢).
وقد خصها بعض أهل العلم بقيام الليل لحديث أبي سعيد.
الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه
_________
(١) «النشر» ١: ٢٤٩.
(٢) أخرجه أحمد (٣): (٥٠)، وأبو داود - في الصلاة - باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك - حديث ٧٧٥، والترمذي- في أبواب الصلاة- باب ما يقول عند افتتاح الصلاة - حديث (٢٤٢) - قال الترمذي «وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب» والنسائي في الصلاة - باب نوع آخر من الذكر بعد افتتاح الصلاة ٢: ١٣٢، وابن ماجه في الإقامة الحديث (٨٠٤). وصححه أحمد شاكر في تحقيق سنن الترمذي ١١:٢، والألباني في «صحيح سنن أبي داود» حديث (٧٠١)، وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لزاد المعاد (١): (٢٠٥). وقد أخرج هذا الحديث من حديث عائشة أبو داود - الحديث (٧٧٦)، والترمذي - الحديث ٢٤٣، وابن ماجه في الإقامة الحديث (٨٠٦)، والدارقطني (١): (١١٢)، والحاكم ١: (٢٣٥) ورجاله ثقات فالحديث صحيح.
1 / 17
يدل على ما راوه عبد الله بن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه» (١).
وهي مروية عن بعض أهل العلم، منهم الحسن البصري (٢)، وإسحاق بن راهويه (٣).
الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم (٤).
جمعًا بين أدلة الصيغة الأولى، وأدلة الصيغة الثانية والثالثة.
وبها قرأ نافع وابن عامر والكسائي (٥)، وهي مروية عن حمزة وعن أبي عمرو وقد رُويت عن عمر بن الخطاب ﵁ ومحمد بن سيرين (٦)
_________
(١) أخرجه ابن ماجه - في إقامة الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة - حديث (٨٠٨)، وأبن خزيمة- في الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة قبل القراءة حديث (٤٧٢). وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» حديث (٦٥٨). وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف - في الصلاة - التعوذ كيف هو (١): (٢٣٨).
(٢) أخرجها عن الحسن عبد الرزاق في الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة، الأثر٢٥٨٠.
(٣) انظر «إغاثة اللهفان» ١: ١٥٤.
وقد أخرج عبد الرزاق في الموضع السابق، الأثر ٢٥٧٧، وابن حزم في «المحلي» ٢٤٩:٣ عن ابن عمر أنه كان يقول: «للهم أعوذ بك من الشيطان الرجيم».
(٤) انظر «غرائب القرآن» (١): (١٥)، «إغاثة اللهفان» (١): (١٥٤).
(٥) انظر «الإقناع في القراءات السبع» (١): (١٥٠)، «المبسوط» (١): (١٣)، «مجمع البيان»
(١): ١٨، «النشر» ١: ٢٥٠.
(٦) انظر «النشر» ١: ١٠.
1 / 18
وهي اختيار سفيان الثوري (١) والأوزاعي (٢)، ومسلم بن يسار (٣)، وأحمد في رواية، اختارها القاضي أبو يعلى، وابن عقيل (٤).
الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم
لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ عن النبي ﷺ أنه كان إذا دخل المسجد قال: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» (٥).
وهناك صيغ أخرى رويت عن بعض القراء، وبعض أهل العلم.
منها: أعوذ بالله العظيم، من الشيطان الرجيم (٦).
ومنها: أعوذ بالله العظيم، السميع العليم، من الشيطان الرجيم (٧).
ومنها: أعوذ بالله العظيم، من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع
_________
(١) انظر «التفسير الكبير» ١: (٦١)، «المجموع» ٣: ٣٣٥، «إغاثة اللهفان» (١): (١٥٤)، «تفسير ابن كثير» ١: ٣٢، «النشر» ١: (٢٥٠).
(٢) انظر «التفسير الكبير» ٦١:١، «لباب التأويل» ١: (١٠)، «تفسير ابن كثير» ١: (٣٢).
(٣) أخرجها عنه ابن أبي شيبة في المصنف في الصلاة- في التعوذ كيف هو (١): ٢٣٧، وانظر «إغاثة اللهفان» (١): (١٥٤)، «النشر» (٢) ٥٠.
(٤) انظر «المغني» (٢): (١٤٦)، «إغاثة اللهفان» ١٥٢:١، ١٥٤.
(٥) أخرجه أبو داود في الصلاة - الحديث ٤٤١ وصححه الألباني. وانظر «النشر» ٢٥١:١.
(٦) ذكرها ابن الباذش في «لإقناع في القراءات السبع» ١٤٩:١، وقال: «هي رواية أهل مصر عن ورش فيما ذكر الأهوازي». وانظر «النشر» ٢٤٩:١.
(٧) رواها هبيرة عن حفص فيما ذكر ابن الباذش في «الإقناع» ١٥٠:١، وانظر «المبسوط» ١٣:١.
1 / 19
العليم (١).
ومنها: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم (٢).
ومنها: أستعيذ بالله، أو نستعيذ بالله، من الشيطان الرجيم (٣).
ومنها: أعوذ بالله القوي، من الشيطان الغوي (٤).
ومنها: أعوذ بالله المجيد، من الشيطان المريد (٥).
ومنها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأستفتح الله وهو خير الفاتحين (٦).
ومنها أعوذ بالله السميع، الرحمن الرحيم، من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك رب أن يحضرون، أو يدخلوا بيتي الذي يؤويني (٧).
ومنها: رب أعوذ بك من همزات الشيطان، وأعوذ بك رب أن
_________
(١) انظر «النشر» ٢٥٠:١.
(٢) انظر «المجموع» ٣٢٥:٣.
(٣) نسبت لحمزة الزيات ومحمد بن سيرين. انظر «المبسوط» ١٣:١، «مجمع البيان» ١٨:١، «غرائب القرآن» للنيسابوري ١٥:١، وقد نفى ابن الجزري صحتها عن حمزة. انظر «النشر» ٢٤٦:١.
(٤) قال ابن الباذش في «الإقناع» ١٥١:١ «اختارها بعضهم لجميع القراء».
(٥) انظر «تفسير ابن عطية» ٤٩:١.
(٦) انظر «النشر» ٢٥١:١.
(٧) أخرجها عبد الرازق عن عطاء- في الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة- حديث ٢٥٧٤.
1 / 20
يحضرون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم (١).
ومنها: أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، وأعوذ بالله أن يحضرون (٢).
وهذه الصيغ وإن رويت عن بعض السلف، فإن أقل أحوالها الجواز، وما صح عن المصطفى ﷺ هو الأولى بالأتباع.
* * *
_________
(١) أخرجها عبد الرزاق - في الصلاة - باب الاستعاذة في الصلاة - حديث ٢٥٧٨ من طاووس.
(٢) أخرجها ابن أبي شيبة في الصلاة - في التعوذ كيف هو، ٢٣٨:١عن محمد بن سيرين.
1 / 21
المبحث الثاني
أركان الاستعاذة
تتكون الاستعاذة - كما يقول بعض أهل العلم (١) - من خمسة أركان هي:
أ- صيغة الاستعاذة ولفظها، وقد تقدم.
ب- المستعيذ، وهي المؤمن الذي رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولًا، ونطق بالاستعاذة، وواطأ عنده القلب اللسان، فأيقن أن هذه الاستعاذة تحميه، بإذن الله بن الشيطان الرجيم.
ج - المستعاذ به وهو الله - جل وعلا - الذي من استعاذ به أعاذه، وأجاره وعصمه، وحفظه وحماه، كما أعاذ مريم ابنة عمران وذريتها وعصمها بسبب دعاء والدتها امرأة عمران وإعاذتها إياها بالله من الشيطان الرجيم، كما ذكر الله عنها أنها قالت:
﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ (٢).
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما
_________
(١) انظر «التفسير الكبير» ٧١:١، «غرائب القرآن» ١٦:١.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٣٦ - ٣٧.
1 / 22