La biographie prophétique entre traditions narrées et versets coraniques
السيرة النبوية بين الآثار المروية والآيات القرآنية
Genres
عرفوه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِن اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولذا كان ردهم - وهو رد كل مخطئ خاطئ -: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١)﴾.
وما بلغ المنزلة التي هو فيها بالذنب والمراودة، ولكن بلغها وحصلها بالتقوى والصبر، وإنها لأعظم تقوى، وإنه لأعظم صبر، ولسنا في مجال الكلام على التقوى والصبر.
هناك دليل آخر على تبرئة يوسف ﵇ فإن كان ما سبق براهين تبرئته بالنطق والسكوت، فهذا البرهان يمكن أن نسميه بالفعل لتجتمع له ﵇ كل أدلة وبراهين البراءة وهو في قوله لما أرسل إليه الملك ليأخذه من السجن، أبى ورفض حتى يتحقق الملك بنفسه من الواقعة، مَن البريء ومَن المتهم، وذلك في قوله تعالى عن يوسف لرسول الملك: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠)﴾. فلو كان ﵇ قد صدر منه ذنب وفحش، أو كان متهمًا لاستحال عرفًا وعادة أن يطلب من الملك أن يتفحص عن تلك الواقعة، وألا يخرج من السجن إلا بعد النظر فيها، وتبيين الخاطئ من البريء، وإلا لو كان فعل ذلك لكان قد أقدم على فضح نفسه، وتجديد عيوبه التي صارت خفية مندسة، والعاقل لا يفعل ذلك، وهب أنه قد وقع الشك لبعضهم في عصمته إلا أنه لا شك بما سمعنا أنه كان عاقلًا، والعاقل يمتنع أن يسعى في فضيحة نفسه، وفي حمل الأعداء على أن يبالغوا في إظهار عيوبه (١).
أما بيان المرأة تبرئته ﵇ فهو:
أولًا: اعترافها للنسوة بذلك حيث قالت: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ فقد باحت لهن بأنها هي التي راودته فعلًا؛ لأنها رأت منهن الافتتان به فعلمت أنهن قد عذرنها،
(١) انظر الفخر الرازي، التفسير الكبير (٩/ ٩٨).
1 / 113