لكن الأمر مع الأنبياء في صغرهم له وضعه الخاص؛ لأن الله يصطفيهم بعلمه وإرادته، ويربيهم بقدرته ومعونته.
ومع قدرة الله تعالى تتوقف سنن الكون، وتنعدم التأثيرات المادية، ويقف العقل مستسلما مصدقا، وليس له إلا أن يؤمن ويصدق، بعدما يرى المسيرة مع المصطفين الأخيار.
هذا هو موسى ﵇، ولدته أمه وخافت عليه أن يذبحه فرعون، فألهمها الله تعالى أن تضعه في صندوق، وترميه في النهر، وتترك الأمر بعد ذلك لله، وفعلت وهي تتساءل عن مصيره.. وهل سيموت غريقا؟ وهل ستأكله الحيتان والأسماك؟ وكيف يحيا بلا رضاعة؟ وكيف الطريق لإرضاعه؟..
أسئلة لا يجيب عليها العقل.. لكن مسار القدر مدهش عجيب، وقد أجاب بإعجاز إلهي حكيم، لقد وصل الصندوق إلى بيت فرعون، واتخذ فرعون وزوجته موسى ابنا لهما، وأعاداه لأمه فأرضعته، ثم سلمته لفرعون يريبه تربية ملكية خاصة، يقول الله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ١.
من كان يتصور أن الإلقاء في اليم هو سبب النجاة؟ ومن يعقل أن فرعون بحذره هو الذي ربَّى موسى ﵇، وخلصه من الضعف واليتم والحاجة؟ وهكذا الأنبياء جميعا!!!
- أين تربَّى يوسف ﵇؟ وهل رباه وأبوه مع أنه كان حيا يرزق؟!
- وكيف وُلد عيسى ﵇ وتربَّى، وليس له أب أصلا؟!
إن الأنبياء صناعة ربانية؛ ولذلك يوجدهم الله في قوالب معينة، وفق حكمته ومشيئته.