ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
Maison d'édition
دار الكلمة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Genres
وإن الإنسان ليبصر أحيانًا بالمرأة المسكينة وهي تلبس ما يكشف عن سوءاتها، وهي في الوقت ذاته لا يناسب شكلها ولا تكوينها، وتضع من الأصباغ ما يتركها شائهة أو مثارًا للسخرية. ولكن الألوهية القاهرة لأرباب الأزياء والموضات تقهرها وتذلها لهذه المهانة التي لا تملك لها ردًا، ولا تقوى على رفض الدينونة لها، لأن المجتمع من حولها يدين لها. فكيف تكون الدينونة إن لم تكن هي هذه؟! وكيف تكون الحاكمية والربوبية إن لم تكن هي تلك؟! وليس هذا إلا مثلًا واحدًا للعبودية المذلة حين لا يدين الناس لله وحده وحين يدينون لغير الله من العبيد.
وليست حاكمية الرؤساء والحاكم وحدها هي الصورة الكريهة المذلة لحاكمية البشر للبشر ولعبودية البشر للبشر، وهذا يقودنا إلى قيمة توحيد العبادة والدينونة في صيانة أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم التي تصبح كلها ولا عاصم لها عندما يدين العباد للعباد في صورة من صور الدينونة، سواء في حاكمية التشريع، أو في صورة حاكمية الأعراف والتقاليد، وفي صورة حاكمية الاعتقاد والتصور. هذه هي الحقيقة.
إن الدينونة لغير الله في الاعتقاد والتصور معناها الوقوع في براثن الأوهام والأساطير والخرافات التي لا تنتهي، والتي تمثل الجاهليات الوثنية المختلفة صورًا منها، وتمثل أوهام العوام المختلفة صورًا منها، وتقدم فيها النذور والأضاحي من الأموال - وأحيانًا من الأولاد! - تحت وطأة العقيدة الفاسدة والتصور المنحرف، ويعيش الناس معها في رعب من الأرباب الوهمية المختلفة، ومن السدنة والكهنة المتصلين بهذه الأرباب من السحرة المتصلين بالجن والعفاريت..، ومن المشايخ والقديسين أصحاب الأسرار، ومن.. ومن..، ومن الأوهام التي ما يزال الناس منها في رعب وفي خوف وفي تقرب وفي رجاء حتى تنقطع أعناقهم وتتوزع جهودهم وتتبدد طاقتهم في مثل هذا الهراء.
وقد مثلنا لتكاليف الدينونة لغير الله في الأعراف والتقاليد بأرباب الأزياء والمودات، فينبغي أن نعلم كم من الأموال والجهود تضيع إلى جانب الأعراض والأخلاق في سبيل هذه الأرباب! إن البيت ذا الدخل المتوسط ينفق على الدهون والعطور والأصباغ وعلى تصفيف الشعر وكيه وعلى الأقمشة التي تصنع منها الأزياء المتقلبة عامًا بعد عام، وما يتبعها من الأحذية المناسبة والحلي المتناسقة مع الزي والشعر الحذاء ... إلى آخر ما تقضي به تلك الأرباب النكدة.
1 / 70