ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
Maison d'édition
دار الكلمة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Genres
ومن ثبات السنن الدالة على وحدة " المعركة " أولًا وآخرًا أن الله بعث محمدًا ﷺ، والعرب واقعة في الشرك في هذين الركنين عينهما، فقد كانت تعبد الأصنام نفسها التي عبدها قوم نوح، إذ " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد. ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع " (١)، مع ما أضافه عمرو بن لحي الخزاعي (٢) والطواغيت بعده من أصنام أخرى كاللات والعزى ومناة وهبل، وتشريعات غيروا بها ملة إبراهيم.
فكانت العرب أيضًا واقعة في شرك الطاعة والاتباع، وقد ذكر الله تعالى أمثلة له من " البحيرة والسائبة والوسيلة والحامي " وغيرها مما أفاضت فيه سورة الإنعام مثل: قتل الأولاد واستحلال الميتة وما جعلوا لله - مع شركائهم - من نصيب في الحرث والإنعام، وما جعلوا منها من حجر لا يطعمه إلا من يشاءون - بزعمهم - وما حرموه من ظهورها.. كل ذلك افتراءً على الله وتخرصًا على دينه واتباعًا للشياطين «وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ» (٣) .
وهو ما ذكره النبي ﷺ في الحديث السابق عن أصحاب الشرك الأول.
ولمناسبة كون المعركة - من نوح إلى محمد ﷺ واحدة، وقضيتها واحدة، جاء التعبير عن الرسالات جميعًا بأنها " كتاب " واحد - في الآيات السابقة - «وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» (٤)، «وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» (٥) .
وقوله: «اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ» (٦)، ونحوها.
_________
(١) هو أول الحديث السابق في قصة نوح (٨/٦٦٧) .
(٢) هو أول من أدخل الأصنام إلى بلاد العرب مغيرًا بذلك ملة إبراهيم ﵇. أنظر خبره في البخاري (٦/٥٤٧) و(٨/٢٨٣)، ولمزيد المعرفة عن الأصنام انظر: إغاثة اللهفان (٢/٢٠٣- ٢٢٢) .
(٣) [الأنعام: ١٢١]
(٤) [البقرة:٢١٣]
(٥) [الحديد:٢٥]
(٦) [الشورى: ١٧]
1 / 19