خريدة القصر وجريدة العصر - قسم شعراء العراق جـ ١
خريدة القصر وجريدة العصر - قسم شعراء العراق جـ ١
Chercheur
الدكتور جميل سعيد
Maison d'édition
مطبعة المجمع العلمي العراقي
Numéro d'édition
١٣٧٥ هـ
Année de publication
١٩٥٥ م
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مودع أرواح المعاني أشباح الألفاظ، ومطلع ذكاء الذكاء من أفلاك الإدراك للقرائح الأيقاظ، ومظهر أسرار الحكم لأحداق الضمائر الناظرة، ومنور أزهار الكلم في حدائق الخواطر الناضرة، وحافظ نظام البلاغة في كل عصر، وحاصر أقسام البراعة في نوعي نظم ونثر، الذي أفاض على الأفاضل حلل الكرامة، وخصهم لخصائصهم بالفخار والفخامة، وأرسل محمدًا صلوات الله عليه بالفصاحة المعجزة في البيان، والحكمة الواضحة البرهان، وأنزل عليه الذكر العربي المبين، وجعله لحمل أمانة وحيه القوي الأمين، وأيده بذوي الفضائل الغر، والفواضل الغزر، من آله وصحابته، وعين أهل العلم لوراثته، وأصفى بشرعه مشرع أمته، صلى الله عليه وآله وصحبه وعترته.
أما بعد، فإنني لما رأيت الفضل في عصرنا هذا، وإن ضاع
1 / 3
عرفه، قد ضاع عرفه كما أنه، وإن زان ضعفه، فقد زاد ضعفه، لفساد أمره، وكساد سعره، وهبوط نجمه، وسقوط رسمه، وحط حظه، وقلة عناية هله بحفظه، آثرت أن أثر من مآثر أهل العصر ما يخلد آثارهم، ويجدد منارهم، فإنني ألفيت أبكار أفكارهم قد عنست، وآرام شواردهم في خميلة الخمول كنست، وعرائس نفائسهم عند الأكفاء ما عرست، وبعد الوحشة ما أنست، والبواعث قلت بل عدمت، والحوادث جلت بل عظمت، وكنت منذ شمت بارقة الأهب، وركبت في استفادة العلم صهوة الطلب، ذاك وصبا الصبا في ريعان الهبوب لها مسرى ومسير، وشبا الشباب الطري
1 / 4
طرير، وأنا أحب أن أجمع محاسن من محاسناهم الدهر المسيء، وأظهر مزاين من غفل عن التحلي بمزاياهم الزمان البذئ، وكنت قد طالعت كتابي يتيمة الدهر، ودمية القصر للثعالبي والباخرزي في محاسن أهل عصريهما الشعراء، وقد بلغا الجهد في إظهار اجتهاد البلغاء، وما وجدت بعد ذلك من عني بذلك كعنايتهما، ولا من حدث نفسه أنه يبلغ إلى غايتهما، فصنفت هذا الكتاب وألفته، ورقمت هذا الوشي
1 / 5
وفوفته، وسميته خريدة القصر وجريدة العصر؛ لأنها حسناء ذات حلي وحلل، غانية تغبطها على الحسن أقمار الكلل. فهذا الكتاب كالروض الأنف يجمع أنواع الزهر، وكالبحر تضمن على نواصع الدرر؛ وكالدهر يأتي بعجائب العبر، يشتمل على فنون وعيون، وأبكار للمعاني وعون، وأصناف فوائد، وأصداف فرائد، وضروب ضرب، وضروع أرب، وظروف ظرف، وحروف لطف، فكم فيه من يتيمة لتاج قدره، وكريمة في خدره، وديمة لودقه، وهلال لأفقه؛ ويتضمن من شريف الكلام وحره، ودريه ودره، ولطيف القول وبديعه، وغريبه وصنيعه، ما إذا اجتليت أنواره، واجتنيت أثماره، ونظرت إلى استقامة سمته، وسلامة نحته، وجدته محمي الحريم بالصون، مفري الأديم علي الحسن، منيع الجناب للعاكف، حلو الجني
1 / 6
للقاطف، لا يطلب إذنًا على أذن، ولا يلتمس رهنًا من ذهن، ولا يحتجب عنه قلب، ولا يحتجر معه لب، بل يعانق القلوب بقبوله معانقة، ويعالق الأرواح براحة معالقة.
وقد ذكرت أهل عصري، وأهل عصر آبائي وأعمامي، فالكتاب مشتمل على العصرين: السالف الماضي، والحاضر النامي. وأكثر ما أوردته شعر من أروي عن واحد، عنه، إن لم يكن أدركته وسمعته منه، ولم أقتصر على المنتقى المنتقد، والمثنخل المنتخب، بل ذكرت لكل شاعر ما وقع إلي من شعره، وأثبته: إما لمعنى غريب، أو لفظ مستحسن، أو أسلوب رائق، أو حديث بحال من الأحوال لائق، وطلبت الاستكثار من الفوائد، وضممت الشذور إلى الفرائد.
والذي بعثني أولًا على جمع هذا الكتاب أنني وجدت المعاصرين لعمي الصدر الشهيد عزيز الدين أبي نصر أحمد بن حامد من الشعراء ما فيهم إلا من أم قصده، وطلب
1 / 7
ووفد عليه بمدحه، واسترفده من منحه، وفاز عنده بنجحه، وأدرك في ليل الأمل من الفوز ضوء صبحه، وحمل إليه بضائع فضله فحصل من إفضاله بربحه، وكلهم ممتدحه، ومستميحه ومستمنحه، فأحببت أن أحيي ذكرهم، وأقابل بمجازاة شكري شكرهم. وكانت المدائح المجموعة في عمي العزيز مجلدات، غير أن العدو لما نكبه، نهبها، وذهب بها وأذهبها، لكنه لم يسلب الأصل والمحتد، ولم ينهب المجد والسؤدد. وقد كتبت منها بعض ما حصلته، ومهدت به ذكره على قاعدة الخلود وأثلته.
وقد قسمت هذا الكتاب أقسامًا.
القسم الأول
فضلاء بغداد
وما يجري معها من البلاد
خلفاء وأمراء بني العباس
الإمام المستضيء بالله أمير المؤمنين
وابتدأت القسم الأول من العراق مزكي عرقي، ومنشأ حقي، وموطن أهلي، ومجمع شملي. وهو الإقليم الأوسط، والأقنوم الأحوط، وأهله الراسخون علومًا، الباذخون حلومًا. وقدمت مدينة السلام؛ لأنها حوزة الإسلام، وبيضة مملكة الإمام، وتبركت بذكر من أدركته من الخلفاء، ومن أدركه منهم والدي وأعمامي، الذين يشتمل هذا الكتاب على محاسن أيامهم، ومزاين أجوادهم وكرامهم، وذكرت من شعر كل واحد منهم ما سمعته، تفضيلًا لكتابي هذا على الكتب المصنفة في فنها، ليربي بحسنه على حسنها،
1 / 8
فهو - بإشراق أضواء ذكر الإمام المستضيئ بأمر الله أمير المؤمنين أبي محمد الحسن ابن الإمام المستنجد - مضيء المطالع مشرقها، صافي الشرائع مغدقها.
والإمام المستضيئ واحد العصر نبلًا، وثاني البحر فضلًا، وثالث العمرين عدلًا، بل ثالث القمرين أنوارًا، وثاني القدر أثرًا وإيثارًا، وواحد الزمان قدرًا ومقدارًا. وهو الثالث والثلاثون من خلفاء بني العباس، ذو الفضل والإفضال والنائل والسطوة والباس، ترجى موهبته، وتخشى هيبته، وتدعى هبته، وينادي نداه فيجبر ويجيب، ويجتدي جداه فيصوب ويصيب. أما السماح فهو بدر سمائه الزاهر، وأما الكرم فهو بحر عطائه الزاخر، وأما الفضل فهو جامع شتاته، ورافع راياته، وواضع شرعه، وشارع وضعه، ومشرق آفاقه، ومنفق أسواقه، قس الفصاحة، وقيس
1 / 9
الحصافة، وصديق السماحة، وفاروق الحماسة، وعثمان الحلم، وعلي العلم. حلل الأيام معلمة منه بطراز العدل، وحلل الأنام مكرمة بإعزاز الفضل. وفي عصره المذهب تسنت الفتوح الأبكار، وجرت على الإيثار الآثار، واستخلصت مصر من الأدعياء، واليمن من الأعداء، وملك بنو أيوب، ومكن الله
1 / 10
ليوسفهم في الأرض، وعادت مصر آهلة بالمقيمين وظائف السنة والفرض.
ولما بويع له بالخلافة في تاسع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مئة، كنت
1 / 11
بالموصل، فعملت هذه الأبيات المهموزة، ونفذتها إليه على يد الفقيه شرف الدين بن أبي عصرون، فعاد إلي بخلع منه سنية، ودنانير أميرية، وصيرها الإمام رسمًا في كل سنة، والأبيات هي:
قد أضاء الزمان بالمستضيئ ... وارث البُرْد وابن عم النّبيء
جاءَ بالحقّ والشريعة والعد ... لِ فيا مرحبًا بهذا المجيء
1 / 12
رَتَع العالمون من عدله الشا ... مل في المرتع الهنيء المريء
ورعوا منه في مَرادٍ خصيبٍ ... لا وخيم ولا وبيل وبيء
رقدوا بعد طول خوف مقضّ ... في ذَرا الأمن والمهاد الوطيء
فهنيئًا لأهل بغدادَ فازوا ... بعد بؤسٍ بكلّ عيش هنيء
سأوافي فِناءَهُ عن قريب ... مسرعًا كي أفوز غيرَ بطيء
وأحلّي عيشي بجدّ جديد ... وأهنّي فضلي بحظّ طريء
وتُريني الأيام نقدًا من الآ ... مال ما كان قبله في النسيء
وأمانيّ سوف يظهر منها ... عند قصدي ذَراه كلُّ خبيء
عاد حظّي من النحوس بريئًا ... وغدا السعد منه غير بريء
ولقيتُ الدّهرَ العبوسَ وقد عا ... دَ بوجهٍ طَلْقٍ إليِّ وَضيء
ومُضيء إن كان في الزمن المُظلم فالعَود في الزمان المُضيء
ثم مدحته بعد ذلك بقصائد.
ولما خُطِب له بمصرَ سنة سبع وستين في أيام الوزير عضد الدين، كتبت
1 / 13
إليه قصيدة، أولها:
قد خطبنا للمستضيئ بمصرٍ ... وارثِ المصطفى إمام العَصْرِ
وخذَلنا لنصره العَضُدَ العا ... ضِدَ والقاصر الذي بالقَصْر
قصدت بالعضد العاضد المجانسة، ونصرة وزير الخليفة كنصرته.
وأشعنا بها شِعار بني الع ... باس فاستبشرتْ وجوهُ النصر
ووضَعْنا للمستضيئ بأمر ال ... له عن أوليائه كُلَّ إصْرِ
1 / 14
ومنها:
وجرى من نَداه دِجْلَةُ بغدا ... دَ بشطر ونيلُ مصر بشطرِ
وقد اهتز للهدى كلُّ عِطفٍ ... مثلما افترَّ بالمنى كلّ ثَغْرِ
فبَجدْواهُ زائلٌ كلّ فَقرٍ ... وبنُعماه آهِلٌ كلِّ قَفْرِ
ونداهُ الهدى أزال من الأس ... ماع في كلّ خطّةٍ كلّ وَقْرِ
نشكرُ اللهَ إذْ أتمّ لنا النص ... رَ ونرجو مَزيدَ أهلِ الشكر
ونشرنا أعلاَمنا السودَ فهرًا ... للعدى الزرق بالمنايا الحمر
خلفاء الهدى سَراة بني الع ... باس والطيّبونَ أهل الطهرِ
كشموس الضحى كمثل بدور ال ... تمِّ كالسحب كالنجوم الزهر
1 / 15
وتمام الحبور ما تمّ من خط ... بة خير الخلائف ابن الحَبْرِ
مَهْبطُ الوحي بيته منزل الذكْ ... ر بشَفْعٍ من المثاني ووِتْر
ومنها:
ليس مُثري الرجال مَنْ ملكَ الما ... ل ولكنّما أخو اللبّ مُثْر
ولهذا لم ينتفع صاحب القص ... ر وقد شارف الدُّثُورَ بدَثرِ
ومنها في مدح
لسوي نظم مدحه أهجر النظْ ... مِّ فما مَدحُ غيره غير هُجْر
وأرتنا له قلائدَ من مس ... نٍ وبِرّ ليست بجِيدٍ ونَحْر
وبإِنعامه تَزايد شكري ... وبتشريفه تَضاعف فخري
كم ثَراءٍ وقوةٍ وانشراحٍ ... منه في راحتي وقلبي وصدري
وعليِّ النُذُورُ في مثل ذا اليو ... مِ وهذا يوم الوفاء بنَذْري
واستهلّت بوارق الأنعم الغرِّ ... به في حَيا الأيادي الغُزْر
1 / 16
نَعشَ الحقَّ بعدَ طول عثارٍ ... جَبرَ الحقّ بعدَ وَهْنٍ وكسر
دام نصرُ الهدى بملك بني الع ... بَّاس حتى يكونَ يوم الحشر
وهذه قصيدة طويلة جدًا، ولكنني اقتصرت منها على هذا القدر.
ومن قصائدي في مدحه:
هل عائدٌ زمنُ الوصالِ المنْقَضِي ... أم عائدٌ لي في الصبابة ممرضي
لا أشتكي إلاّ الغرام فإِنّهُ ... بَلوى عليِّ من السماء بها قُضي
يا لاح حالي في الهَوى مشهورةٌ ... حاوَلتَ تسليَتي وأنت مُحرّضي
خَفِّضْ عَليكَ فما الملامُ بناجعٍ ... فيمن يقولُ لكلِّ لاحٍ خَفّض
كان التعرُّضُ لي بِنصحك نافعي ... لو كان يمكن للسُّلوّ تَعرُّضي
عَرَّضت وجدي للسلوّ ومُتْعِبٌ ... كتمانُ سرٍّ للوُشاةِ مُعرِّض
أَنفقتُ ذُخر الصبر من كلفي فهل ... من واهبٍ للصبر أو مِن مُقرِض
أيبلُّ مُضنىً قلبُه مُتَهدِّفٌ ... لسهام رامٍ للّواحظِ مُنْبِضِ
شَغَفي بأغيَدَ مُقْبلٍ بوداده ... لمحبّه ويَصدّ صَدِّ المعرِض
1 / 17
شكوايَ من دَلٍّ يزيدُ مُحبّبٍ ... وضَنايَ من صدٍّ يدوم مُبغِّض
يا حبّذا ماءُ العُذَيْبِ وحبّذا ... بنِطافه الغُزرِ العِذاب تمضمضي
لَهفي على زمن الشباب فإنِّني ... بسوي التأسّف عنه لم أتعوض
نُقِضَتْ عُهودُ الغانياتِ وإنها ... لولا انقضاءُ شبيبتي لم تَنقض
كان الصِبا أضفى الثياب وإنما ... ذهبت نضارة عيشتي لمّا نُضي
يا حسنَ أَيام الصِّبا وكأنها ... أيامُ مولانا الإِمام المستَضِي
وهذه القصيدة أيضًا طويلة.
الإمام المستنجد بالله أمير المؤمنين
المستنجد بالله أبو المظفر يوسف أمير المؤمنين ابن الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله أمير المؤمنين أبي العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين عبد الله بن الذخيرة محمد بن أمير المؤمنين القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أمير المؤمنين أحمد بن ولي العهد إسحاق بن أمير المؤمنين المقتدر بالله أبي الفضل جعفر ابن أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق بالله أبي أحمد طلحة بن أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن أمير المؤمنين المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن أمير المؤمنين الرشيد أبي جعفر هارون بن أمير المؤمنين المهدي أبي عبد الله محمد بن
1 / 18
أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ﵁ وعن آبائه، الذي نطقت بشرفه السور، وأرخت بفضيلته السير، ووضحت حجول أيامه والغرر، وتسنى في زمانه للإسلام الظفر.
أما شرفه، فهو أوضح من ذكاء. وأما مناقبه، فهي بعدد أنجم السماء.
بويع له بالخلافة يوم الأحد، ثاني ربيع الأول، سنة خمس وخمسين وخمس مئة يوم وفاة المقتفي، وتوفي تاسع شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مئة.
وكان يحب الفضل وذويه، ويستخدمهم، ويقربهم.
وله شعر حسن، فمنم ذلك ما ذكره الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في كتاب صنفه له يشرح أبياته، ويقول: وإنما غرض كتابنا هذا شرح أبيات سمح بها خاطره ارتجالًا، وأنا قائم بين يديه، في شخص لا أعلمه في الحقيقة إلا هو.
سَهْلُ التَّعَطُفِ في الصواب دِرايةً ... بمآله متوقّفٌ في ضدّهِ
مُتأيِّدٌ في رَأْيه لسداده ... طلاّع أنجده بواري زنده
والسيفُ يَفْري الهامَ من إفْرِندِه ... لا ما يُقال مَضاؤه في حَدّه
1 / 19
وكذا اللّبيبُ يرى الصواب برأيه ... لا يَستريب بقربه أو بُعدِه
وإذا الشجاعة يُسِّرَتْ لمُسدِّدٍِ ... حاز النُّهى منم حزمه وبجدِّه
وله:
وباخِلٍ أشعل في بيته ... طرمذةً منه لنا شَمْعَهْ
فما جرت من عينها دمعة ... حتى جرت من عينه دَمعَهْ
ولأمير المؤمنين المستنجد بالله:
خاله حالٍ وحالي خالُه ... شَجِيَ الصبُّ به والخال خال
ومنها:
بان لما بان فيه يَقَقٌ ... ونُصولُ الشيب فلّ في النِّصال
ونظم شرف الدين مظفر بن الوزير ابن هُبيرة على وزنها قصيدة، منها:
1 / 20
وبنو الأشراف من تحملهم ... عزّة السُّؤل على ذل السؤال
وللمُستنجد في عامل له كان يمن بخدمته:
يَمُنُّ ولا يَدري بأني عالمٌ ... بأفعاله، والمنُّ بالمنّ يُوزَنُ
وفي القول تعريضٌ وفيه غباوةٌ ... ولولا تغابيه لقد كان يَفطِنُ
وهذه الأشعار أكتبها لشرف قائلها، وقد قيل:
وخيرُ الشعر أشرفه رجالًا ... وشرُّ الشعر ما قال العبيدُ
على أنها قد أعجزت الشعراء، وأعجبت البلغاء الفصحاء.
ويُنسب إلى الإمام المستنجد شعر:
وقد تُنظر الأشياء بالسمع إن جرت ... موانع صدَّتْ عن تأمُّلِ ناظِر
وله ﵁ في وصف سمعة:
وصفرآء مثلي في القياس ودمعُها ... سِجامٌ على الخدّين مثل دموعي
1 / 21
تذوبُ كما في الحبِّ ذبتُ صبابة ... وتحوي حشاها ما حَوته ضلوعي
وقد تبركنا بذكر الخلفاء الراشدين، الذين أدركتهم وأدركهم والدي وجدي، وأولهم:
القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله
توفي ﵁ في ليلة الخميس ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربع مئة. وكان بويع له بالخلافة يوم موت أبيه القادر، يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة. وكانت مدة خلافته أربعًا وأربعين سنة وثمانية أشهر وخمسة وعشرين يومًا.
وكان وليًا من الأولياء، ولو جاز بعث نبي لكان من الأنبياء، وهو أزهد الخلفاء.
1 / 22