The Muhammadan Message
الرسالة المحمدية
Maison d'édition
دار ابن كثير
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٣ هـ
Lieu d'édition
دمشق
Genres
نسأ في آجالهم، وأطال حياتهم، وأخّر موتهم، حتى تسنّى لكثير من الناس أن يتلقوا عنهم ما حافظوا من أمانات الحديث النّبويّ، ويعوا أقوالهم، وينشروا رواياتهم، ولم يكن العلم يومئذ إلا معرفة هذه الأمور.
وبه ينالون شرف الدّين، وعزّة الدّنيا، فكان الآلاف من الصحابة يبلغون إلى الجيل الذي بعدهم ما رأوه بأعينهم، وسمعوه باذانهم من أحوال النّبيّ ﷺ، وأقواله، وتشريعه؛ لأنه ﷺ هو الذي أمرهم بذلك، فقال:
«بلّغوا عنّي» «١» و«ليبلّغ الشّاهد الغائب» «٢»، فكانوا يعلمون أولادهم، وإخوانهم، وأصحابهم، وأقرباءهم من الدّين والعلم كلّ ما كانوا يعلمونه، فكان ذلك شغلهم، وهمّهم آناء الليل وأطراف النهار، وفي الغدوّ والآصال، فتعلم النشء الإسلامي الأول حقائق رسالة الإسلام، وتفاصيل حياة الرسول منذ ترعرعوا في بيئاتهم التي كانت ساحات للعلم، ومدارس يتقلّبون في حجرها، وما لبثوا أن قاموا مقام الصحابة، وسدّوا مسدّهم في حفظ هذه الأحاديث، ووعي هذه المرويات، فكان هؤلاء التابعون يحفظونها كلمة كلمة، ويعيدون روايتها بألفاظها دون أن يخرموا منها كلمة. وكما كان رسول الله ﷺ يحرّض الصحابة على أن يبلغوا عنه، ويفقهوا تشريعه، وينشروا دعوته وأحكامه، كان ينهى الناس عن أن يتقولوا عليه ما لم يقل، أو ينسبوا إليه ما لم يفعل، وكان ينذر من يتعمّد الكذب عليه بأنه سيتبوّأ نار جهنم، لذلك كان كبار الصحابة ترتعد فرائصهم وتمتقع وجوههم عند رواية أحاديث الرسول خوفا من أن يكذبوا عليه أو ينحلوه ما لم يقل «٣» . وكان عبد الله بن مسعود إذا قال: «قال رسول الله ﷺ» استقلته
_________
(١) عن عبد الله بن عمرو أن النبيّ ﷺ قال: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النّار» رواه البخاري في باب ما ذكر عن بني إسرائيل (٣٤٦١) .
(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب «ليبلغ العلم الشاهد الغائب» (١٠٤ و١٠٥) ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إثبات الحساب (٢٨٧٦) .
(٣) لذلك نراهم مع كثرة تحملهم عن الرسول ﷺ لا يكثر من الرواية، حتى إنّ منهم من كان لا يحدث حديثا في السنة، ونرى من تأخذه الرعدة، ويقشعر جلده، ويتغيّر لونه-
1 / 66