القسم الثاني من المعجم الأوسط للطبراني
القسم الثاني من المعجم الأوسط للطبراني
Chercheur
محمود محمد محمد عمارة السعدني
Genres
وضروبٍ عديدةٍ، حرصًا على حفظها، وخوفًا من إضاعتها. (^١)
وقَيَّض الله ﷿ للسُّنِّة الشريفة أئمةً كبارًا، وجهابذة نُقَّادًا، ورجالًا أفذاذًا، سَخَّروا حياتهم لها، وبذلوا حياتهم بل وبذلوا كُلَّ ما لديهم مِنْ غالٍ ونفيسٍ خدمة لها، حتى مَيَّزوا لنا صحيح الحديث مِنْ سقيمه، ونقدوا لنا الإسناد والمتن بتمحيصٍ شديدٍ، وتوثيقٍ بالغٍ لا مثيل له على مرّ العصور والدهور.
ولقد اعتنى المُحَدِّثون بشتى أنواع علوم الحديث المختلفة التي تخدم حديث النَّبيّ ﷺ.
وكان مِنْ أهم أنواع علوم الحديث التي اعتنى بها صيارفة الحديث ونُقَّاده أشد عناية واهتمام:
علم الغرائب والأفراد؛ لكون الإكثار مِنْ التَّفرد والإغراب، ورواية ما لا يعرفون - خاصة عند المخالفة، وشدة النكارة في المروي - سببًا مِنْ أسباب جرح الراوي، وضعفه، وأدعى إلى عدم قبوله ورده.
ولكون معرفة الأفراد والغرائب من أهم وسائل الكشف عن العلة كما قال ابن الصلاح: ويُسْتَعانُ على إدراكِها - أي العلة - بتَفَرُّدِ الراوي، وبمخالفةِ غيرِهِ لهُ، مَعَ قرائنَ تَنْضَمُّ إلى ذلك. (^٢)
ولدقة هذه المسألة وحساسيتها، وتداخلها مع أهم علوم الحديث، كعلم الجرح والتعديل، وعلل الحديث، ولكثرة الأنواع المتفرعة عنها، والمتصلة بها اتصالًا وثيقًا؛ كالشاذ، والمُنْكر، وزيادة الثقة، وغيرها. (^٣)
لذا تكلَّموا عليه في شتى كتب الحديث وعلومه: كَكُتُبِ المتون (^٤)،
والمصطلح (^٥)، وكُتُبِ تراجم الرِّجال،
_________
(^١) يُنظر: "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للإمام أبي الحجَّاج يوسف المزيّ (١/ ١٤٧).
(^٢) يُنظر: "معرفة علوم الحديث" لابن الصلاح (ص/١٨٧).
(^٣) يُنظر: "التَّفرُّد في رواية الحديث ومنهج المُحدِّثين في قبوله" (ص/١٩٥).
(^٤) يُنظر: "الزهد" لابن المبارك حديث رقم (٩٤٨ و٩٤٩). "صحيح البخاري" ك/الطلاق، ب/الخُلْعِ وَكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ برقم (٥٢٧٣)، حيث أورد حديثًا لعكرمة عن ابن عبَّاس ﵄، ثُمَّ قال: لا يُتَابَعُ فيه عن ابن عَبَّاسٍ؛ أي: لا يتابع أزهر بن جميل - شيخ البخاري في الحديث - على ذكر ابن عباس ﵄ في هذا الحديث. "السنن" لابن ماجه حديث رقم (٢١٤٣ و٢١٦٢)، "السنن" لأبي داود حديث رقم (٥٠ و١٥٥ و٣٣٣ و١١٢٠ و٢٢٥٤ و٢٣٤٨ و٢٨٦٨ و٤٤٧٦)، "السنن" للترمذي، وأكثر فيه الترمذي مِنْ ذكر غرائب وأفراد الرواة في هذا الكتاب، منها على سبيل المثال: حديث رقم (٧ و٢١ و٤٠ و٤٣ و٥٧ و٧٣ و١٠٦ و١٢٧ و٢١٠ و٢١١ و٢٦٨ و٢٦٩ و٢٩٤ و٣٣٤ و٣٤٩ و٤١١ وغير ذلك كثير)، "السنن الكبرى" للنَّسائي حديث رقم (١٦٣٩ و٤١٦٠ و١١٥٨٩ وغيرها)، "صحيح ابن خزيمة" حديث رقم (١٤ و١٧٧ و٢٢٩ و٣٠٥ و٥٧٣ وغيرها)، "شرح مُشْكِل الآثار" للطحاوي حديث رقم (٤١٨ و٥٧٢)، "المسند" لأبي سعيد الشاشي حديث رقم (٢١٥)، "صحيح ابن حبَّان" حديث رقم (الإحسان/١٧٤ و١٧٥ و٣٧٨ و١٤٠٦ و١٤٧٩ و١٥٠٨ و١٧٨٦ و١٩٥٣ وغير ذلك كثير)، وقد اهتم ابن حبَّان ﵁ في "صحيحه" بنفي التَّفرد عن بعض الأحاديث التي وصفها البعض بالتَّفرد في إحدى طبقات إسنادها، فكثيرًا ما يقول: ذِكْرُ الخَبَرِ المُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هذا الخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ فلان عن فلان، والمواضع في ذلك تزيد عن مائة موضع مِنْ الكتاب، مِنْها على سبيل المثال: (الإحسان/١٣٠ و١٦٧ و٢٥٥ وغيرها) .. "رؤية الله" للدَّارقُطني حديث رقم (٥٩ و٢٣٣)، "السنن" للدَّارقُطني حديث رقم (١٢٥ و١٧٣ و١٧٩ و١٩٤ و٢٤٤، وغير ذلك كثير)، "المُسْتدرَك على الصحيحين" حديث رقم (٩٤ و١٦٦ و٤١٨ و٦٣٩ و٦٤٥ وغيرها)، "حلية الأولياء" لأبي نُعيم ويُعتبر مِنْ مظان الأفراد مِنْ الأحاديث، والمُقَلِّب لصفحاته يقف على مِئات المواضع الدَّالة على ذلك، مِنْها على سبيل المثال: (١/ ١٦٨ و١/ ٢٢٦ و١/ ٢٢٧ و١/ ٣١٥ و١/ ٣١٥، وغيرها كثير)، "السنن الكبرى" للبيهقي حديث رقم (١٣١ و١٧٧ و٢٠٧ و٢٤٩ و٨٢٧، وغيرها كثير)، "معجم ابن عساكر" حديث رقم (٤٢ و٦٧ و١٤٦ و١٦٢ و٢٥٨، وغيرها)، وغير ذلك مِنْ كتب المتون، والله أعلم.
(^٥) وفي كتب المصطلح افردوه بعناوين مُسْتَقِلَّة، واعتنوا به أشد عناية، وتكلَّموا عنه ضمن بقية علوم الحديث المتداخلة معه، والمترابطة به كالشاذ، والمنكر، ونحوهما، كما سيأتي بيانه والإشارة إليه في الفصل الثالث مِنْ القسم الأول في هذه الدَّراسة.
1 / 8