الصورة الأدبية تاريخ ونقد
الصورة الأدبية تاريخ ونقد
Maison d'édition
دار إحياء الكتب العربية
Numéro d'édition
-
Genres
وليس الحسن مقصورًا على البديع، ولا الرونق للتصنيع فحسب ولكن لا بد من التهذيب فيهما، والتثقيف لهما، والترشيح لمنطقهما يقول:
"ولا الحسن إلا ما أبداه البديع، ولا الرونق إلا ما كساه التصنيع" ولكن لا بد أن "نجد منه الحكم الوثيق، والحزل القوي، والمصنع المحكك، والمنطق الموشح، قد هذب كل التهذيب، وثقف غاية التثقيف"١.
هذه هي الصورة الحقة عند القاضي، وذلك هو النظم القوي الموحي، والتأليف الرائق الخلاب، وبه يفرق بين الشعر المطبوع والمصنوع، ثم يقول: إن هذا الحسن في النظم والجمال في تصويره المعنى لا نهاية له "ولو احتمل مقدار هذه الرسالة استقصاءه، واتسع حجمها، للاستيفاء له، لاسترسلت فيه ولأشرفت بك على معظمه"٢.
رابعًا: ليس من الضروري في كل نظم أن تكون ألفاظه رصينة جزلة، ولا أجزاء الصورة قوية فخمة، تشتمل على استقصاء ألوان البديع، واستقطاب جموع التصنيع لتستكمل شروط الإحسان، وتستوفي كل كمال، ليس من اللازم هذا كله في الصورة الأدبية، فقد ينسج الشاعر المصور، والعبقري البارع صورة لا تستوفي أسباب الكمال السابقة، فألفاظها سهلة التناول، مألوفة الأخذ، لا تشتمل على حشد من الاستعارات، وقلما نجد فيها بديعًا، أو اتفاقا في الصنعة، ولكن الشاعر يبثها سره، وينفث فيها من سحره، ويبعث فيها الجلال الذي هو أسمى من الجمال، وهنا يعجز الإنسان عن إدراك كل أسبابه، وإن أدرك البعض فقد لا يعرف له سببًا، لا يستطيع أن يستوفي موارد السحر الحلال، ولا يتمكن من نفسه إلا شيء واحد، وهو أثر الصورة فيها، وعلوقها بقلبه كالنور الذي يبهر
_________
١ المرجع السابق.
٢ المرجع السابق.
1 / 42