الصورة الأدبية تاريخ ونقد
الصورة الأدبية تاريخ ونقد
Maison d'édition
دار إحياء الكتب العربية
Numéro d'édition
-
Genres
ويضعف قدامة عنصرا جديدًا في بيان مفهوم الصورة الشعرية، حيث يشبه صناعة الشعر بغيره من سائر الصناعات كالنجارة للخشب، والصياغة للفضة، فالجميع يعتمد على مادة وشكل، فالفضة مثلًا يتخذ منها أشكالًا مختلفة، وكل شكل يسمى صورة كالخاتم مثلًا، وكذلك الأمر في الشعر؛ لأنه كسائر الصناعات يقول ابن سلام الجمحي عن الشعر: "صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات١".
ويبين أيضًا فضل الصورة في العمل الأدبي، إذ بها تقاس قدرة الشاعر ومهارته في صناعة الشعر، فالقطعة من الخشب أو الفضة في ذاتها لا تفصل قطعة أخرى إلا بالصورة التي ظهرت فيها، وقد يتناولها الصانع في صورتين، فتظهر إحداهما ذميمة، والأخرى جميلة، مع أن المادة من الخشب أو الفضة واحدة فيها.
وكذلك الشعر عند ابن جعفر، قد يتناول الشاعر موضوعًا واحدًا، يصوره تصويرًا حسنًا في مواطن، ويعرض إياه في معرض قبيح في موطن آخر، ويدل هذا -مع اتحاد المادة- على قدرة الشاعر وبنوغه، التي ترجع إلى التصوير يقول في ذلك.
"إن مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين، بأن يصف شيئًا وصفًا حسنًا، ثم يذمه بعد ذلك ذمًّا حسنًا بينا غير منكر عليه، ولا معيب من فعله، إذا أحسن المدح والذم، بل ذلك يدل على قوة الشاعر في صناعته واقتداره عليها٢".
وفي مكان آخر ينتصر للفظ والصورة، ويقدمها على المعنى والمادة، فيرى أن
_________
١ طبقات الشعراء: ابن سلام الجمحي المتوفى عام ٣٣٢هـ ص٣.
٢ نقد الشعر: قدامة بن جعفر ص١٣، ١٤.
1 / 28