110

الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

Genres

وإنما اشتُرِطَ عليه الأكل سرا، حتى لا يراه أحد؛ لأنه إذا أظهر الفطر عَرَّض نفسه للتُهمَة وعقوبة السلطان (١).
الدليل الثاني: ولأنه قد تَيقَّن أن هذا اليوم من شوال، فحَلَّ له الأكل؛ كما لو قامت البينة (٢).
الدليل الثالث: ولأن يقين نفسه أبلغ من الظن الحاصل بالبَيِّنة (٣).
الدليل الرابع: ولأنه لا يجوز له أن يعتقد الصوم، وهو يعلم أنه عليه حرام؛ لأنه يوم العيد عنده (٤).
الدليل الخامس: ولأن العبد إنما يعامل الله بما يعلمه (٥).
فلا يجوز له أن يترك ما يعتقده، ويقلد غيره.
الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه لا يجوز له الفطر سِرّا؛ لقوة ما استدلوا به؛ ولأن حديث أبي هريرة وأثر عائشة ﵄ بَيَّنا أن الفطر لا يكون إلا مع جماعة المسلمين، و(سَدّا للذريعة) (٦).
وأما أدلة القول الثاني فيجاب عنها بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بحديث صوموا لرؤيته الحديث فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن الخطاب في الحديث ورد بصيغة الجمع، فهو متوجه إلى الأمة بعمومها لا بأفرادها.
الوجه الثاني: أن الصيام والعيد من العبادات التي يراعى فيها الاجتماع كالصلوات المفروضة.
ثانيا: وأما قولهم: إنه يتيقن أنه من شوال، فيجاب عنه:
أن اليقين قد لا يثبت؛ لأنه يحتمل أن يكون الرائي خُيِّل إليه، كما روي أن رجلا في زمن عمر ¢، قال: لقد رأيت الهلال. فقال له: امسح عينك. فمسحها، ثم قال له: تراه؟ قال: لا. قال: لعل شعرة من حاجبك تقوست على عينك، فظننتها هلالا (٧).

(١) ينظر الحاوي ٣/ ٤٤٩، البيان ٣/ ٤٨٥، حلية العلماء ٣/ ١٥٢، المهذب للشيرازي ١/ ٣٣٠.
(٢) ينظر: البيان للعمراني ٣/ ٤٨٥.
(٣) ينظر: المجموع ٦/ ٢٨٠، وشرح عمدة الفقه كتاب الصيام لابن تيمية ١/ ١٥٥.
(٤) ينظر: البيان والتحصيل للجد ٢/ ٣٥١ - ٣٥٢.
(٥) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام لابن تيمية ١/ ١٣٥.
(٦) الذَّرِيعة: هي المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويُتوصل بها إلى فعل المحظور. وسَدّها: منع الوسائل المؤدية إلى المفاسد حسما للفساد. ينظر: أصول الفقه الذي لا يسع جهله ص ٢١١. إرشاد الفحول ٢/ ١٩٣.
(٧) ينظر: المغني ٣/ ١٦٧، المبسوط للسرخسي ٣/ ٧٩، والبناية للعيني ٤/ ٢٥.

1 / 110