النوازل في الرضاع
النوازل في الرضاع
Genres
كما إن الفقيه إذا نظر في آراء من تقدمه المقرونة بأدلتها ربما انفتح له أفق من الاستنباط والتأصيل والتقعيد لم يكن ليخطر له على بال لو أعرض عن هذا التراث وأهمله. (^١)
وإن من المهمات التي لابد منها معرفة الدليل والمأخذ - أي: الدلالة - حتى يكون على يقين فيما يأخذ ويدع، وما يخرِج وما يلحِق؛ يقول ابن السبكي ت ٧٧١ هـ: فإن المرء إذا لم يعرف علم الخلاف والمأخذ؛ لا يكون فقيهًا إلى أن يلج الجمل في سم الخياط، وإنما يكون ناقلًا مخبّطًا، حامل فقه إلى غيره؛ لا قدرة له على تخريجِ حادثٍ بموجود، ولا قياس مستقبل بحاضر، ولا إلحاق غائب بشاهد، وما أسرع الخطأ إليه! وأكثر تزاحم الغلط عليه! وأبعد الفقه لديه ا. هـ (^٢)، ناهيك عما يحصله المطلع على التراث الفقهي من معرفة بمناهج العلماء في الاستنباط والفهم من النصوص؛ مما يصقل ملكته ويهيِّئه للتفقه في تنزيل النصوص الشرعية على الوقائع الفقهية. (^٣)
وهذا لا يعني غلق باب التقويم والتصحيح للإشكالات التي تراكم عليها بعض متأخري الفقهاء من أصحاب المذاهب حين اتسعت الفجوة بين علم الفقه وأصوله وبين الكتاب والسنة وعلومهما، حتى آل الأمر إلى أن يقول شيخُ الإسلام محمدُ بن عبد الوهاب ت ١٢٠٦ هـ: أكثر الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه؛ يعرف ذلك من عرفه ا. هـ (^٤)
ولذلك؛ كان المدون في كتب المذاهب لا يخرج عن ثلاثة أقسام: (^٥)
١ - قسم موافق للكتاب والسنة؛ فهذا يأخذ به المفتي.
٢ - قسم ظهر الدليل على خلافه؛ فهذا لا يؤخذ به.
٣ - قسم من مسائل الاجتهاد التي تتجاذبها الأدلة، ولم يظهر دخوله في أيٍّ من القسمين السابقين؛ فله أن يأخذ بما نص عليه في المذهب.
_________
(^١) ينظر: عبد المجيد النجار: فقه التدين فهمًا وتنزيلًا (١/ ٦٨). عبدالله آل خنين: توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية (١/ ٣٦٩).
(^٢) ابن الشبكي: طبقات الشافعية الكبرى (١/ ٣١٩).
(^٣) ينظر: الزركشي: البحر المحيط في أصول الفقه (٦/ ٢٨٨). عبالله آل خنين: المصدر السابق، (١/ ٣٧٢).
(^٤) ابن قاسم: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (١/ ٤٥).
(^٥) ينظر: ابن القيم: إعلام الموقعين عن رب العالمين (٥/ ١٦٦).
1 / 26