إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس
إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس
Genres
إينَاس النَّاس
بِتُفَّاحَةِ
أَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاس
لِكَاتِبهِ
حَازم خَنْفَر
وَهُوَ شَرْحٌ عَلَى مَتْنِ
«التُّفَّاحَة فِي النَّحْوِ»
لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المُرَادِيِّ المِصْرِيِّ
المَعْرُوفِ بِأبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ
المُتَوَفَّى سَنَةَ (٣٣٨ هـ)
النشرة الثانية
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢١ م
1 / 3
المُقَدّمَة
الحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَهَذَا شَرْحٌ وَجِيزٌ لِمُخْتَصَرٍ فِي النَّحْوِ لِلعَلَّامَةِ اللُّغَوِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ، أَسْمَاهُ: (التُّفَّاحَةَ فِي النَّحْوِ)، وَهُوَ مَتْنٌ فَرِيدٌ فِي عِبَارَتِهِ، تُدْرَكُ مَسَائِلُهُ عَلَى غَيْرِ مَشَقَّةٍ؛ مِمَّا يَسْهُلُ عَلَى طَالِبِ النَّحْوِ فَهْمُهُ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى التَّبْوِيبَاتِ الأَسَاسِيَّةِ؛ بَعِيدًا عَنِ تَفْرِيعَاتِ المَسَائِلِ الَّتِي قَدْ تَسْتَشْكِلُ عَلَى المُبْتَدِئِ.
وَلَمْ أَخْرُجْ فِي الشَّرْحِ عَنْ مَسَائِلِ المَتْنِ؛ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ اقْتضَى فِيهَا الحَالُ التَّشَعُّبَ، وَأَسْمَيْتُ الشَّرْحَ: «إِينَاس النَّاس بتُفاحَةِ أَبي جَعْفَرٍ النَّحَّاس»؛ رَاجِيًا مِنْهُ - سُبْحَانَهُ - القَبُولَ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
حَازِم خَنْفَر
٥/ ١٠/١٤٣٣ هـ 23/ 8/2012 م
1 / 5
١ - بَابُ أَقْسَامِ العَرَبيَّةِ
قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ العَرَبِيَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى».
(الشَّرْحُ): تَنْقَسِمُ الكَلِمَةُ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ - لَا رَابِعَ
لَهَا -: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفُ مَعْنًى.
القِسْمُ الأَوَّلُ: الاسْمُ: هُوَ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ - مِنْ مَاضٍ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ -.
فَمِنْ ذَلِكَ: رَجُلٌ، وَشَجَرَةٌ، وَالضَّرْبُ، وَالأَكْلُ، وَعَالِمٌ، وَمُجْتَهِدٌ.
فَكُلُّ هَذِهِ الأَلْفَاظِ: كَلِمَاتٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا.
مِثَالٌ: لَوْ قُلْتَ: (رَجُلٌ) مِنْ غَيْرِ أَنْ تَضَعَهَا فِي جُمْلَةٍ؛ لَوَجَدْتَ لَهَا مَعْنًى فِي مُخَيِّلَتِكَ، وَهُوَ: الذَّكَرُ البَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا المَعْنَى إِلْحَاقُ كَلِمَةِ (رَجُلٍ) بِكَلَامٍ آخَرَ، فَالمَعْنَى مُسْتَقِلٌّ بِالكَلِمَةِ نَفْسِهَا.
وَالأَسْمَاءُ لَا تَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مَخْصُوصٍ؛ أَيْ: بِحَدَثٍ، فَـ (رَجُلٌ) كَلِمَةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى حَدَثٍ وَقَعَ أَوْ يَقَعُ أَوْ سَيَقَعُ.
القِسْمُ الثَّانِي: الفِعْلُ، وَيُرَادُ بِهِ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى مُسْتَقِلٍّ فِي
1 / 7
نَفْسِهِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ - مِنْ مَاضٍ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ -.
فَمِنْ ذَلِكَ: قَامَ، وَيَقُومُ، وَقُمْ، وَضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ.
فَكُلُّ هَذِهِ الأَلْفَاظِ: كَلِمَاتٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا.
مِثَالٌ: لَوْ قُلْتَ: (قَامَ) مِنْ غَيْرِ أَنْ تَضَعَهَا فِي جُمْلَةٍ؛ لَوَجَدْتَ لَهَا مَعْنًى فِي مُخَيِّلَتِكَ، وَهُوَ: الانْتِصَابُ وَاقِفًا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا المَعْنَى إِلْحَاقُ كَلِمَةِ (قَامَ) بِكَلَامٍ آخَرَ، فَالمَعْنَى مُسْتَقِلٌّ بِالكَلِمَةِ نَفْسِهَا.
وَهِيَ بِذَلِكَ تُشَابِهُ الأَسْمَاءَ، إِلَّا أَنَّهَا تَخْتَلِفُ عَنْهَا بِاقْتِرَانِهَا بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ؛ أَيْ: بِحَدَثٍ وَقَعَ أَوْ يَقَعُ أَوْ سَيقَعُ، فَهِيَ بِتَعَلُّقِهَا بِالزَّمَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
١ - المَاضِي، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ مَضَى وَوَقَعَ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا).
٢ - المُضَارِعُ، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ يَقَعُ فِي الزَّمَنِ الحَاضِرِ أَوْ سَيَقَعُ فِي المُسْتَقْبَلِ؛ كَقَوْلِكَ: (يَضْرِبُ زَيْدٌ عَمْرًا)، وَهُنَا يُنْظَرُ فِي القَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ لِتَحْدِيدِ مَا إِذَا كَانَ المُتَكَلِّمُ يُرِيدُ زَمَنَ الحَاضِرِ أَوْ المُسْتَقْبَلِ.
٣ - الأَمْرُ: هُوَ مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ يُطْلَبُ وُقُوعُهُ فِي المُسْتَقْبَلِ؛ كَقَوْلِكَ: (اضْرِبْ عَمْرًا)، فَلَمْ يَتَحَقَّقِ الضَّرْبُ بَعْدُ.
1 / 8
القِسْمُ الثَّالِثُ: حُرُوفُ المَعَانِي، وَهِيَ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهِ؛ فَحُرُوفُ المَعَانِي - كَـ (ثُمَّ) وَنَحْوِهَا - لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا.
فَمِنْ ذَلِكَ: (أَوْ) وَ(أَمْ) وَ(عَنْ) وَ(لَنْ) - وَغَيْرُهَا -.
فَكُلُّ هَذِهِ الأَلْفَاظِ: كَلِمَاتٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَلَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا.
مِثَالٌ: لَوْ قُلْتَ: (ثُمَّ) دُونَ أَنْ تَضَعَهَا فِي جُمْلَةٍ؛ لَمَا وَجَدْتَ لَهَا مَعْنًى فِي مُخَيِّلَتِكَ - وَإِنْ كُنْتَ تُدْرِكُ وَظِيفَتَهَا وَفَائِدَتَهَا -، فَإِذَا أَلْحَقْتَهَا بِكَلِمَةٍ أُخْرَى فِي جُمْلَةٍ - كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ ثُمَّ ذَهَبَ) - لَوَجَدْتَ كَلِمَةَ (ثُمَّ) دَلَّتْ عَلَى مَعْنَى الذَّهَابِ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ القِيَامِ، فَيُشْتَرَطُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنًى لِـ (ثُمَّ) إِلْحَاقُهَا بِكَلَامٍ آخَرَ، فَالمَعْنَى غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالكَلِمَةِ نَفْسِهَا، إِنَّمَا بِغَيْرِهَا.
وَالحُرُوفُ - مِنْ حَيْثُ الاصْطِلَاحُ - تَنْقِسمُ إِلَى نَوْعَيْنِ:
الأَوَّلُ: حُرُوفُ الهِجَاءِ، وَهِيَ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْهَا الكَلِمَاتُ؛ كَنَحْوِ (أ ب ت ث ج) - وَغَيْرِهَا مِنَ الحُرُوفِ -، وَلَيْسَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ مَقَاصِدِ هَذَا البَابِ.
وَالثَّانِي: حُرُوفُ المَعَانِي، وَهِيَ الَّتِي يَتَحَقَّقُ المَعْنَى فِيهَا بِإِضَافَتِهَا إِلَى الاسْمِ أَوِ الفِعْلِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الحُرُوفِ هُوَ المُرَادُ - هُنَا - فِي هَذَا البَابِ،
1 / 9
وَقَدْ تَكُونُ أُحَادِيَّةً أَوْ ثُنَائِيَّةً أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً أَوْ خُمَاسِيَّةً؛ كَنَحْوِ (بَاءِ الجَرِّ)، وَ(عَنْ)، وَ(ثُمَّ)، وَ(لَعَلَّ)، وَ(لَكِنَّ).
قَالَ المُصَنِّفُ: «فَالاسْمُ: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا، أَوْ مَفْعُولًا، أَوْ صَلَحَ فِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الخَفْضِ؛ مِثْلُ: (رَجُلٍ، وَفَرَسٍ، وَزَيْدٍ، وَعَمْرٍو) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -».
(الشَّرْحُ): للاسْمِ عَلَامَاتٌ كَثِيرَةٌ، ذَكَرَ مِنْهَا المُصَنِّفُ ثَلَاثًا:
الأُولَى: كَوْنُهُ فَاعِلًا؛ كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ)، فَـ (زَيْدٌ) فَاعِلٌ، وَهُوَ اسْمٌ، فَإِذَا قُلْتَ: (أَكَلَ يَقْرَأُ)، فَهُنَا فِعْلَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ فَعَلَ فِعْلَ الأَكْلِ وَالقِرَاءَةِ، فَلَا يَصِحُّ الفِعْلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا.
الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ مَفْعُولًا؛ كَقَوْلِكَ: (فَهِمَ زَيْدٌ الدَّرْسَ)، فَـ (الدَّرْسَ) مَفْعُولٌ بِهِ، فَهِيَ المَفْهُومُ، وَهِيَ اسْمٌ، فَإِذَا قُلْتَ: (فَهِمَ زَيْدٌ يَقُومُ)، فَلَا يَصِحُّ المَعْنَى فِي الجُمْلَةِ؛ لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ المَفْهُومُ - فِي المِثَالِ - هُوَ (يَقُومُ).
الثَّالِثَةُ: دُخُولُ حَرْفِ الخَفْضِ - أَيِ الجَرِّ - فِي أَوَّلِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ)، فَـ (زَيْدٌ) اسْمٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بَاءُ الجَرِّ، وَصَحَّ المَعْنَى، فَإِذَا قُلْتَ: (مَرَرْتُ بِيَذْهَبُ)، فَلَا يَصِحُّ المَعْنَى؛ لأَنَّ بَاءَ الجَرِّ فِي (بِيَذْهَبُ) دَخَلَتْ عَلَى
1 / 10
فِعْلٍ.
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَالفِعْلُ: مَا دَلَّ عَلَى المَصْدَرِ، وَحَسُنَ فِيهِ الجَزْمُ وَالتَّصَرُّفُ؛ مِثْلُ: (قَامَ يَقُومُ، وَقَعَدَ يَقْعُدُ) - ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ -».
(الشَّرْحُ): ذَكَرَ المُصَنِّفُ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ مِنْ عَلَامَاتِ الفِعْلِ:
الأُولَى: كَوْنُهُ مُشْتَقًّا مِنَ المَصْدَرِ.
فَالأَفْعَالُ لَيْسَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ كُلِّ اسْمٍ، بَلْ مِنَ المَصْدَرِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الأَسْمَاءِ المُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ المُطْلَقِ غَيْرِ المُعَيَّنِ؛ كَـ (الضَّرْبِ)؛ فَـ (الضَّرْبُ) مَصْدَرٌ؛ لأَنَّهُ اسْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِزَمَانٍ غَيْرِ مَخْصُوصٍ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حَدَثِ الضَّرْبِ فِي وَقْتٍ دُونَ تَعْيِينِهِ عَلَى زَمَنِ المَاضِي أَوِ الحَاضِرِ أَوِ المُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا عَيَّنْتَ زَمَانَهُ قُلْتَ: (ضَرَبَ) أَوْ (يَضْرِبُ) أَوِ (اضْرِبْ).
الثَّانِيَةُ: مَا صَلَحَ فِيهِ الجَزْمُ.
هَذهِ هِيَ العَلَامَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ فِي تَمْيِيزِ الفِعْلِ عَنْ غَيْرِهِ، وَهِيَ الجَزْمُ؛ كَقَوْلِكَ: (لَمْ يَأْكُلْ)، وَلَا يَصِحُّ الجَزْمُ لِلاسْمِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا صَلَحَ فِيهِ التَّصَرُّفُ؛ بِمَعْنَى: أَنَّهُ يَتَبَدَّلُ وَيَتَقَلَّبُ مِنْ صُورَةٍ إِلَى أُخْرَى بِحَسَبِ الزَّمَانِ، فَالفِعْلُ الوَاحِدُ يَكُونُ فِي صُورَةٍ لِلْمَاضِي وَأُخْرَى لِلْمُضَارِعِ وَأُخْرَى لِلْمُسْتَقْبَلِ؛ كَـ (كَتَبَ) فِي الماضِي، وَ(يَكْتُبُ) فِي
1 / 11
المُضَارِعِ، وَ(اكْتُبْ) لِلْأَمْرِ.
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَالحَرْفُ: مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَخَلَا مِنْ دَلِيلِ الاسْمِ وَالفِعْلِ؛ مِثْلُ: (هَلْ، وَبَلْ، وَمِنْ، وَإِلَى، وَمَتَى، وَقَدْ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -».
(الشَّرْحُ): أَمَّا الحَرْفُ؛ فَهُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ عَلَامَاتِ الاسْمِ وَالفِعْلِ؛ كَـ (بَلْ)، وَ(مِنْ)، وَ(إِلَى)، وَ(مَتَى)، وَ(قَدْ)، وَ(لَمْ).
فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ حَرْفِ الجَرِّ عَلَيْهَا؛ كَقَوْلِكَ (بِلَمْ).
وَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا؛ كَقَوْلِكَ (ذَهَبَ لَمْ إِلَى المَدْرَسَةِ)، أَوْ (ضَرَبَ زَيْدٌ لَمْ)، فَهَذَا لَا يَصِحُّ.
وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهَا مِنَ المَصَادَرِ، فَلَا يُوجَدُ لِـ (لَمْ) مَصْدَرٌ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الحَرْفَ لَا يَتَصَرَّفُ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ كَالفِعْلِ فإِنَّهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - يَتَغَيَّرُ مِنْ صُورَةِ المَاضِي إِلَى المُضَارِعِ إِلَى الأَمْرِ.
وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ فِي الحُرُوفِ الجَزْمُ؛ وَأَمَّا السَّاكِنَةُ مِنْهَا فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ وَلَيْسَتْ مَجْزُومَةً بِالإِعْرَابِ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي البَابِ التَّالِي.
1 / 12
٢ - بَابُ الإِعْرَابِ
قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الإِعْرَابَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: عَلَى الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ، وَالجَرِّ، وَالجَزْمِ».
(الشَّرْحُ): الإِعْرَابُ - اصْطِلَاحًا -: هُوَ التَّغَيُّرُ فِي آخِرِ الكَلِمَةِ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ.
وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ: الرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ، وَالجَرُّ، وَالجَزْمُ.
فَلَوْ قُلْتَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)، فَرَفَعْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (زَيْد) وَنَصَبْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (عَمْرو): فَإِنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّ (زَيْدٌ)
- بِالرَّفْعِ - هُوَ الضَّارِبُ، وَ(عَمْرًا) - بِالنَّصْبِ - هُوَ المَضْرُوبُ.
وَلوَ عَكَسْتَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ، فَقُلْتَ: (ضَرَبَ زَيْدًا عَمْرٌو)، فَنَصَبْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (زَيْد) وَرَفَعْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (عَمْرو)؛ فَإِنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّ (زَيْدًا) - بِالنَّصْبِ - هُوَ المَضْرُوبُ، وَ(عَمْرٌو)
- بِالرَّفْعِ - هُوَ الضَّارِبُ.
وَبِهَذَا اخْتَلَفَ المَعْنَى فِي الجُمْلَتَيْنِ لاخْتِلَافِ أَوَاخِرِ الكَلِمَاتِ، فَهَذَا هُوَ الإِعْرَابُ؛ وَهُوَ تَمْيِيزُ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ؛ مِنْ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ - وَغَيْرِهَا مِنْ
1 / 13
أَبْوَابِ النَّحْوِ -.
وَهَذِهِ التَّسْمِيَاتُ لِلأَقْسَامِ الأَرْبَعَةِ هِيَ لأَوَاخِرِ الكَلِمَاتِ.
أَمَّا الَّتِي تَكُونُ عَلَى الأَحْرُفِ فِي أَوَّلِ الكَلِمَةِ وَوَسَطِهَا فَتُسَمَّى بِـ: الفَتْحِ، وَالضَّمِّ، وَالكَسْرِ، وَالسُّكُونِ.
فَإِذَا أَرَدْتَ ضَبْطَ كَلِمَةِ (جَعْفَرٍ) فِي قَوْلِكَ: (جَاءَ جَعْفَرٌ)؛ تَقُولُ: (جَعْفَرٌ: بِفَتْحِ الجِيمِ وَسُكُونِ العَيْنِ وَفَتْحِ الفَاءِ)، وَلَا تَقُولُ: (بِنَصْبِ الجِيمِ وَجَزْمِ العَيْنِ وَنَصْبِ الفَاءِ)؛ لأَنَّهَا ضَبْطٌ لِأَوَّلِ الكَلِمَةِ وَوَسَطِهَا، أَمَّا فِي إِعْرَابِهَا فَتَقُولُ: (جَعْفَرٌ) بِالرَّفْعِ؛ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الحَرْفَ الأَخِيرَ مِنَ الكَلِمَةِ هُوَ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الرَّاءُ، فَإِذَا أَرَدْتَ ذِكْرَ عَلَامَةِ الرَّفْعِ قُلْتَ: هِيَ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
قَالَ المُصَنِّفُ: «فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا الأَسْمَاءُ وَالأَفْعَالُ، وَالخَفْضُ لِلأَسْمَاءِ خَاصَّةً دُونَ الأَفْعَالِ، وَالجَزْمُ لِلْأَفْعَالِ خَاصَّةً دُونَ الأَسْمَاءِ، فَإِعْرَابُ الأَسْمَاءِ: رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَخَفْضٌ، وَلَا جَزْمَ فِيهَا، وَإِعْرَابُ الأَفْعَالِ: رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَجَزْمٌ، وَلَا خَفْضَ فِيهَا».
(الشَّرْحُ): وَهَذِهِ الأَقْسَامُ الأَرْبَعَةُ لَيْسَتْ عَامَّةً لِكُلِّ كَلِمَةٍ - مِنَ اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ -، إِنَّمَا يَخْتَصُّ كُلُّ قِسْمٍ بِكَلِمَةٍ دُونَ أُخْرَى:
1 / 14
فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ يَكُونَانِ فِي الأَسْمَاءِ وَالأَفْعَالِ.
أَمَّا الأَسْمَاءُ فَكَقَوْلِكَ: (السَّمَاءُ صَافِيَةٌ) وَ(إِنَّ السَّمَاءَ صَافِيَةٌ)؛ فَـ (السَّمَاء) اسْمٌ، وقَدْ صَحَّ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا فِي المِثَالَيْنِ.
وَأَمَّا الأَفْعَالُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ يَكْتُبُ) وَ(زَيْدٌ لَنْ يَكْتُبَ)؛ فَـ (يَكْتُب) فِعْلٌ، وَقَدْ صَحَّ رَفْعُهُ وَنَصْبُهُ فِي المِثَالَيْنِ.
وَأَمَّا الجَرُّ فَيَخْتَصُّ بِالأَسْمَاءِ؛ كَقَوْلِكَ: (ذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى المَدْرَسَةِ)؛ فَـ (المَدْرَسَةِ) اسْمٌ قَدْ صَحَّ جَرُّهَا، وَلَا يَصِحُّ هَذَا لِلْفِعْلِ.
وَأَمَّا الجَزْمُ فَيَخْتَصُّ بِالأَفْعَالِ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (يَذْهَبْ) فِعْلٌ، وَقَدْ صَحَّ جَزْمُهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِلأَسْمَاءِ.
وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ:
ـ فَإِنَّ الأَسْمَاءَ يَقَعُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالجَرُّ، وَلَا يَقَعُ فِيهَا الجَزْمُ.
ـ وَالأَفْعَالَ يَقَعُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالجَزْمُ وَلَا يَقَعُ فِيهَا الجَرُّ.
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالإِعْرَابِ؛ أَيْ: بِالكَلِمَاتِ الَّتِي يَتَغَيَّرُ أَوَاخِرُهَا.
أَمَّا الكَلِمَاتُ الَّتِي يَكُونُ آخِرُهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يَتَغَيَّرُ؛ فَيُسَمَّى بِالبِنَاءِ، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ المُصَنِّفُ، وَهُوَ خِلَافُ الإِعْرَابِ؛ كَحُرُوفِ المَعَانِي - مَثَلًا -، فَهِيَ كُلُّهَا عَلَى البِنَاءِ؛ كَـ (لَمْ) وَ(لَنْ).
1 / 15
وَتَسْمِيَةُ أَقْسَامِ البِنَاءِ هِيَ نَفْسُهَا الَّتِي تَكُونُ فِي أَوَّلِ الكَلِمَةِ وَوَسَطِهَا، وَهِيَ: الضَّمُّ، وَالفَتْحُ، وَالكَسْرُ، وَالسُّكُونُ.
فَالضَّمُّ كَـ (حَيْثُ)، فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ.
وَالفَتْحُ كَـ (أَيْنَ) وَ(كَتَبَ)؛ فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ.
وَالسُّكُونُ كَـ (لَمْ) وَ(اكْتُبْ)؛ فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.
وَالكَسْرَةُ كَـ (هَؤُلَاءِ)؛ فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى الكَسْرِ.
فَالبِنَاءُ يَكُونُ عَلَى الضَّمِّ أَوِ الفَتْحِ أَوِ الكَسْرِ أَوِ السُّكُونِ.
وَالمَبْنِيَّاتُ هِيَ: حُرُوفُ المَعَانِي كُلُّهَا، وَالفِعْلُ المَاضِي، وَفِعْلُ الأَمْرِ، وَبَعْضُ أَحْوَالِ الفِعْلِ المُضَارِعِ، وَبَعْضُ الأَسْمَاءِ.
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ الاسْمِ الوَاحِدِ بِالضَّمَّةِ، وَنَصْبُهُ بِالفَتْحَةِ، وَخَفْضُهُ بِالكَسْرَةِ؛ تَقُولُ فِي الرَّفْعِ: (زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ)، وَتَقُولُ فِي النَّصْبِ: (زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا)، وَتَقُولُ فِي الخَفْضِ: (زَيْدٍ وَعَمْرٍو بَكْرٍ)، عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الأَسْمَاءِ: ضَمُّ آخِرِهَا، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ: فَتْحُ آخِرِهَا، وَعَلَامَةُ الخَفْضِ: كَسْرُ آخِرِهَا».
(الشَّرْحُ): شَرَعَ المُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ حَالَاتِ الإِعْرَابِ؛ فَبَدَأَ فِي الاسْمِ الوَاحِدِ، ثُمَّ الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ المُعْتَلَّةِ، ثُمَّ جَعَلَ التَّثْنِيَةَ وَالجَمْعَ فِي بَابٍ وَاحِدٍ:
1 / 16
فَالاسْمُ الوَاحِدُ: هُوَ الاسْمُ المُفْرَدُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الوَاحِدِ وَالفَرْدِ؛ كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ)؛ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: (الزَّيْدَانِ) وَ(الزَّيْدُونَ).
فَالأَسْمَاءُ المُفْرَدَةُ يَكُونُ: رَفْعُهَا بِضَمِّ آخِرِهَا، وَنَصْبُهَا بِفَتْحِ آخِرِهَا، وَجَرُّهَا بِكَسْرِ آخِرِهَا؛ تَقُولُ: (بَكْرٌ وَبَكْرًا وَبَكْرٍ)، وَتَقُولُ: (عِلْمٌ) وَ(عِلْمًا) وَ(عِلْمٍ).
أَمَّا الرَّفْعُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (جَاءَ بَكْرٌ) وَ(العِلْمُ نُورٌ)، فَعَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي كُلٍّ مِنْ (بَكْرٌ) وَ(العِلْمُ): الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.
وَأَمَّا النَّصْبُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (عَلَّمَ زَيْدٌ بَكْرًا)، وَ(إِنَّ العِلْمَ نُورٌ)، فَعَلَامَةُ النَّصْبِ فِي (بَكْرًا) وَ(العِلْمَ): الفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُ.
وَأَمَّا الجَرُّ؛ فَكَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِبَكْرٍ)، وَ(بِالعِلْمِ تَعْرِفُ الحَقَّ)، فَعَلَامَةُ الجَرِّ فِي (بِبَكْرٍ) وَ(بِالعِلْمِ): الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَخَمْسَةُ أَسْمَاءٍ مُعْتَلَّةٍ مُضَافَةٍ، رَفْعُهَا: بِالوَاوِ، وَنَصبُهَا: بِالأَلِفِ، وَخَفْضُهَا: بِاليَاءِ؛ وَهِيَ: (أَبُوكَ وَأَخُوكَ وَحَمُوكَ وَفُوكَ وَذُو مَالٍ)، وَالنَّصْبُ: (أَبَاكَ وَأَخَاكَ وَحَمَاكَ وَفَاكَ وَذَا مَالٍ)، وَالخَفْضُ: (أَبِيكَ وَأَخِيكَ وَحَمِيكَ وَفِيكَ وَذِي مَالٍ)».
(الشَّرْحُ): الأَسْمَاءُ الخَمْسَةُ هِيَ: (أَبٌ وَأَخٌ وَحَمٌ وَفُو وَذُو).
1 / 17
وَلِهَذِهِ الأَسْمَاءِ حَالَةٌ إِعْرَابِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِي هَذَا الاسْمُ مُفْرَدًا مُضَافًا؛ كَقَوْلِكَ: (أَبُوكَ) أَوْ (أَبُوهُ) أَوْ (أَبُو فُلَانٍ)، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الأَسْمَاءَ المَذْكُورَةَ الأُخْرَى.
وَهَذِهِ الأَسْمَاءُ الخَمْسَةُ المُعْتَلَّةُ المُضَافَةُ: تُرْفَعُ بِالوَاوِ، وَتُنْصَبُ بِالأَلِفِ، وَتُجَرُّ بِاليَاءِ.
أَمَّا الرَّفْعُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (أَخُوكَ مُسَافِرٌ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (الأَخُ مُسَافِرٌ)، وَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَلَمَّا جَاءَ الاسْمُ المُعْتَلُّ مُضَافًا تَغَيَّرَ الرَّفْعُ مِنَ الضَّمَّةِ إِلَى الوَاوِ.
وَأَمَّا النَّصْبُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (إِنَّ أَخَاكَ مُسَافِرٌ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (إِنَّ الأَخَ مُسَافِرٌ)، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَلَمَّا جَاءَ الاسْمُ المُعْتَلُّ مُضَافًا تَغَيَّرَ النَّصْبُ مِنَ الفَتْحَةِ إِلَى الأَلِفِ.
أَمَّا الجَرُّ؛ فَكَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِأَخِيكَ المُسَافِرِ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (مَرَرْتُ بِالأَخِ المُسَافِرِ)، وَهُوَ مَجْرُورٌ، وَلَمَّا جَاءَ الاسْمُ المُعْتَلُّ مُضَافًا تَغَيَّرَ الجَرُّ مِنَ الكَسْرَةِ إِلَى اليَاءِ.
وَعَلَى الأَمْثِلَةِ الثَّلاثَةِ قِسِ الأَسْمَاءَ المُعْتَلَّةَ الأُخْرَى؛ فَبِالرَّفْعِ تَقُولُ: (أَبُوكَ وَأَخُوكَ وَحَمُوكَ وَفُوكَ وَذُو مَالٍ)، وَبِالنَّصْبِ تَقُولُ: (أَبَاكَ وَأَخَاكَ
1 / 18
وَحَمَاكَ وَفَاكَ وَذَا مَالٍ)، وَبِالجَرِّ تَقُولُ: (أَبِيكَ وَأَخِيكَ وَحَمِيكَ وَفِيكَ وَذِي مَالٍ)».
1 / 19
٣ - بَابُ رَفْعِ الاثنَيْنِ وَالجَمْعِ
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ الاثْنَيْنِ بِالأَلِفِ، وَنَصْبُهُمَا وَخَفْضُهُمَا بِاليَاءِ؛ تَقُولُ فِي الرَّفْعِ: (الزَّيْدَانِ وَالعَمْرَانِ وَالبَكْرَانِ)، وَعَلَامَةُ الرَّفْعِ فِيهِمَا: الأَلِفُ الَّتِي قَبْلَ النُّونِ، وَتَقُولُ فِي النَّصْبِ وَالخَفْضِ: (الزَّيْدَيْنِ وَالعَمْرَيْنِ وَالبَكْرَيْنِ)، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ وَالخَفْضِ فِيهِمَا: اليَاءُ الَّتِي قَبْلَ النُّونِ».
(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ مُكَمِّلٌ لِأَحْوَالِ الإِعْرَابِ، وَهُوَ بَابُ التَّثْنِيَةِ وَالجَمْعِ.
فَالاسْمُ المُثَنَّى: هُوَ كُلُّ اسْمٍ زِيدَ فِي آخِرِهِ عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ عِوَضًا عَنْ ذِكْرِ اسْمٍ آخَرَ مَعَهُ؛ فَقَوْلُكَ: (الزَّيْدَانِ)؛ فَالأَلِفُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَ زَيْدٌ وَزَيْدٌ)، فَتَقُولُ: (جَاءَ الزَّيْدَانِ)، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ: (الهِنْدَانِ)؛ فَالأَلِفُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَتْ هِنْدٌ وَهِنْدٌ)، فَتَقُولُ: (جَاءَتِ الهِنْدَانِ).
وَعَلَامَةُ إِعْرَابِهِ: يُرْفَعُ بِالأَلِفِ، وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ.
فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (قَامَ الزَّيْدَانِ)، فَـ (الزَّيْدَانِ) - هُنَا - عَلَى التَّثْنِيَةِ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدٌ)؛ كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدٍ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى
1 / 20
المُثَنَّى (زَيْدَانِ)؛ تَغَيَّرَ مَعَهَا الرَّفْعُ بِالضَّمِّ فِي المُفْرَدِ إِلَى الأَلِفِ وَمَعَهَا النُّونُ المَكْسُورَةُ؛ لأَنَّهُ جَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.
فَالأَلِفُ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي المُثَنَّى، وَأَمَّا النُّونُ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا.
أَمَّا نَصْبُ الاسْمِ المُثَنَّى فَكَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ عَمْرٌو الزَّيْدَيْنِ)، فَـ (الزَّيْدَيْنِ) - هُنَا - عَلَى التَّثْنِيَةِ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدًا) كَقَوْلِكَ: (ضَربَ عَمْرٌو زَيْدًا)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدًا) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى المُثَنَّى (زَيْدَانِ)؛ تَغَيَّرَ مَعَهَا النَّصْبُ بِالفَتْحِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَكْسُورَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.
فَاليَاءُ: هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ فِي المُثَنَّى.
أَمَّا جَرُّ الاسْمِ المُثَنَّى فَكَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِالزَّيْدَيْنِ)، فَـ (الزَّيْدَيْنِ)
- هُنَا - عَلَى التَّثْنِيَةِ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدٍ)؛ كَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدٍ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى المُثَنَّى (زَيْدَيْنِ)؛ تَغَيَّرَ مَعَهَا الجَرُّ بِالكَسْرِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَكْسُورَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.
فَاليَاءُ - أَيْضًا -: هِيَ عَلَامَةُ الجَرِّ فِي المُثَنَّى - كَمَا هِيَ فِي النَّصْبِ -.
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ الجَمْعِ الَّذِي عَلَى هِجَائَيْنِ: بِالوَاوِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (الزَّيْدُونَ وَالعَمْرُونَ وَالبَكْرُونَ)، وَنَصْبُهُمْ وَخَفْضُهُمْ: بِاليَاءِ؛ نَحْوُ
1 / 21
قَوْلِكَ: (الزَّيْدِينَ وَالعَمْرِينَ وَالبَكْرِينَ)».
(الشَّرْحُ): ثُمَّ تَكَلَّمَ المُصَنِّفُ عَنِ الجَمْعِ الَّذِي عَلَى هِجَائِيْنِ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ: الوَاوَ وَالنُّونَ، وَاليَاءَ وَالنُّونَ، وَهُوَ: جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ.
فَجَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ: هُوَ كُلُّ اسْمٍ زِيدَ فِي آخِرِهِ عَلَامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ عِوَضًا عَنْ ذِكْرِ أَكْثَرَ مِنْ اسْمٍ مَعَهُ بِحَيْثُ تَبْقَى حَالَةُ مُفْرَدِهِ كَمَا هِيَ إِذَا جُرِّدَ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ.
فَالزِّيادَةُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ - كَمَا تَقَدَّمَ - هِيَ: الوَاوُ وَالنُّونُ، وَاليَاءُ وَالنُّونُ.
فَقَوْلُكَ: (العَامِلُونَ)؛ فَالوَاوُ وَالنُّونُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَ العَامِلُ وَالعَامِلُ وَالعَامِلُ)، فَتَقُولُ: (جَاءَ العَامِلُونَ)؛ فَـ (عَامِلٌ) مَفُرْدٌ، وَبِجَمْعِهَا عَلَى (عَامِلُونَ) بَقِيَتْ حُرُوفُهَا كَمَا هِيَ، وَلَكِنْ زِيدَ فِيهَا فَقَطْ (الوَاوُ وَالنُّونُ)، فَسَلِمَ مِنَ التَّغْيِيرِ عِنْدَ جَمْعِهِ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ (عَامِلٍ) عَلَى (عَامِلِينَ) فِي قَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِالعَامِلِينَ)؛ بَقِيَتِ الحُرُوفُ كَمَا هِيَ عَلَى الإِفْرَادِ وَزِيدَ فِيهِ فَقَطْ (اليَاءُ وَالنُّونُ)، فَسَلِمَ مِنَ التَّغْيِيرِ عِنْدَ جَمْعِهِ.
وَجَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ: يُرْفَعُ بِالوَاوِ، وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ.
فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (جَاءَ الزَّيْدُونَ)، فَـ (الزَّيْدُونَ) - هُنَا - جَمْعُ مُذَكَّرٍ
1 / 22
سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدٌ)؛ كَقَوْلِكَ: (جَاءَ زَيْدٌ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدٍ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ (الزَّيْدُونَ)؛ تَغَيَّرَ مَعَهَا الرَّفْعُ بِالضَّمِّ فِي المُفْرَدِ إِلَى الوَاوِ وَمَعَهَا النُّونُ المَفْتُوحَةُ؛ لأنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.
فَالوَاوُ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.
وَمِثْلُهُ: (ذَهَبَ العَمْرُونَ)، وَ(سَافَرَ البَكْرُونَ)، وَ(انْتَصَرَ المُسْلِمُونَ).
أَمَّا نَصْبُ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ فَكَقَوْلِكَ: (نَصَرَ الحَاكِمُ المُسْتَضْعَفِينَ)، فَـ (المُسْتَضْعَفِينَ) - هُنَا - جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (المُسْتَضْعَفَ)؛ كَقَوْلِكَ: (نَصَرَ الحَاكِمُ المُسْتَضْعَفَ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (المُسْتَضْعَفَ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ (المُسْتَضْعَفِينَ)؛ تَغَيَّرَ مَعَهَا النَّصْبُ بِالفَتْحِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَفْتُوحَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَت بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.
فَاليَاءُ هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.
أَمَّا جَرُّ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ فَكَقَوْلِكَ: (إِنَّ اللهَ ﷿ رَؤُوفٌ بِالمُؤْمِنِينَ)، فَـ (المُؤْمِنِينَ) - هُنَا - جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (المُؤْمِنِ)؛ كَقَوْلِكَ: (إِنَّ اللهَ ﷿ رَؤُوفٌ بِالمُؤْمِنِ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (المُؤْمِنِ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ (المُؤْمِنِينَ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا الجَرُّ بِالكَسْرِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَفْتُوحَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.
1 / 23
فَاليَاءُ - أَيْضًا -: هِيَ عَلَامَةُ الجَرِّ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.
قَالَ المُصَنِّفُ: «وَنُونُ الاثْنَيْنِ مَكْسُورَةٌ أَبَدًا، وَنُونُ الجَمْعِ مَفْتُوحَةٌ أَبَدًا، وَتَسْقُطَانِ بِالإِضَافَةِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (هَذَانِ ابْنَا زَيْدٍ، وَهَؤُلَاءِ بَنُو زَيْدٍ)؛ أَصْلُهُ: (ابْنَانِ وَبَنُونَ)، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلإِضَافَةِ».
(الشَّرْحُ): النُّونُ الوَارِدَةُ فِي الأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ هَذَا البَابِ: نُونٌ زَائِدَةٌ، وَتَكُونُ مَكْسُورَةً فِي التَّثْنِيَةِ، وَمَفْتُوحَةً فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ؛ فَتَقُولُ فِي الاسْمِ المُثَنَّى: (الزَّيْدَانِ) بِكَسْرِ النُّونِ الزَّائِدَةِ، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ: (الزَّيْدُونَ) بِفَتْحِ النُّونِ الزَّائِدَةِ.
وَتُحْذَفُ النُّونُ الزَّائِدَةُ فِي المُثَنَّى وَجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ عِنْدَ وُقُوعِهِ مُضَافًا.
فَالاسْمُ المُثَنَّى كَقَوْلِكَ: (هَذَانِ ابْنَا زَيْدٍ)، فَـ (ابْنَا) عَلَى التَّثْنِيَةِ، وَهِيَ مُضَافٌ - هُنَا - وَ(زَيْدٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَأَصْلُ الكَلِمَةِ (ابْنَانِ) كَقَوْلِكَ: (هَذَانَ ابْنَانِ لِزَيْدٍ)، فَلَمَّا جُعِلَ السِّيَاقُ عَلَى الإِضَافَةِ حُذِفَتِ النُّونِ.
وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَصْبَ الاسْمِ المُثَنَّى المُضَافِ وَجَرَّهُ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبْتُ ابْنَيْ زَيْدٍ) وَ(مرَرْتُ بِابْنَيْ زَيْدٍ).
أَمَّا جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ فَكَقَوْلِكَ: (هَؤُلَاءِ بَنُو زَيْدٍ)؛ فَـ (بَنُو) عَلَى الجَمْعِ، وَهِيَ مُضَافٌ - هُنَا - وَ(زَيْدٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَأَصْلُ الكَلِمَةِ: (بَنُونَ)
1 / 24