245

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

Genres

الصلاة على رسول الله ﷺ من المنجيات عند الميزان
قال الله ﷿: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢].
فعلى يمين العرش كفة الحسنات، وعلى يسار العرش كفة السيئات، وفي الناحية الثانية من الميزان الصراط، وعلى يمين العرش يجلس الخليل إبراهيم أبو الأنبياء، فأمام الخليل إبراهيم شيئان: كفة الحسنات للميزان، والجنة على يمين الصراط، وسيدنا الحبيب المصطفى ﷺ على يسار العرش أمام كفة السيئات للميزان وأمامه النار فالصحابة استغربوا من ذلك، هل من المعقول أن يكون الخليل إبراهيم عن يمين العرش وأمام الجنة وأمام كفة الحسنات، والحبيب المصطفى على يسار العرش أمام كفة السيئات وأمامه النار، فقال ﷺ بتواضع: (أنا الذي طلبت من ربي ذلك) أي: من أجل أن أنظر إلى كفة السيئات للمسلم من أمتي، فإن ثقلت سيئاته أقوم فأضع في كفة حسناته بطاقة بحجم نصف الكف، فاستغرب الصحابة لكلمة بطاقة، والبطاقة: رقعة، وفي الكتب القديمة يقال لها: رقعة، قال الحسن البصري: إن أهل مصر يسمون الرقعة بطاقة، كمثل بطاقة في جيبك، البطاقة الشخصية والبطاقة العائلية وبطاقة التموين وهكذا.
فالبطاقة هذه يضعها رسول الله ﷺ في كفة الحسنات، فالحسنات تثقل، ويريد صاحبها أن يعرف ما هذه؟ فيذهب وينظر ويقول: من أنت يا صاحب الوجه الوضيء؟ فيقول له: أنا حبيبك محمد ﷺ فيقول له: وما هذه البطاقة؟ يقول: هذه صلاتك علي في الدنيا.
صلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ﷺ، من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ومن صلى عليه عشرًا صلى الله عليه بها مائة، ﷺ.
(قال جبريل: تعس رجل ذكرت عنده ولم يصل عليك، تعس وابتعد عن الجنة قل: آمين يا محمد! فقلت: آمين) ﷺ.
والعبادة مقبولة بشيئين: قراءة القرآن والصلاة على رسول الله ﷺ، فإذا كنت في الدعاء تبدأ بالصلاة على رسول الله وتدعو، ثم تثني بالصلاة على رسول الله ﷺ، فهما صلاتان مقبولتان والله أكرم من أن يدع ما بينهما.
سافر أحد التابعين وأبوه معه، فأدركت أباه المنية في الطريق، فغطاه إلى أن يظهر أناس في الطريق فيصلوا عليه ويدفنوه، فنظر الولد إلى وجه أبيه فوجد وجهه يسود ويسود حتى صارت عليه كآبة، وحزن الابن حزنًا ما بعده حزن، فجلس بجوار جثة أبيه وأخذته سنة من النوم فوجد رجلًا وضيء الوجه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا محمد رسول الله ﵊ قال: يا رسول الله! إن أبي قد مات فاسود وجهه، قال: لا تخف يا عبد الله! لقد كان كثير الصلاة علي، قم فاكشف وجه أبيك، فاستيقظ فرحًا، فكشف وجه أبيه فوجده كفلقة القمر ليلة التمام، فلا تنس أن تكثر من الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ.
وذكر أن واحدًا من الصالحين كان في جيبه فلس واحد، وابنته تريد أن تعمل عملية عند الطبيب، والطبيب طلب مبلغًا لا يستطيع دفعه ولا يقدر على تسلفه.
ومعلوم أن الرؤى لا تحقق قاعدة شرعية، ولكن رؤى الصالحين تعطي اطمئنانًا للنفس الإنسانية طالما أن الرؤيا تفسيرها لا يخالف نصًا من نصوص الكتاب ولا نصوص السنة، فرأى في منامه الرسول ﷺ وهو يقول له: مالي أراك مهمومًا؟ قال: يا رسول الله! ابنتي تريد أن تعمل عملية وليس معي نقود، قال: قم فانهض إلى فلان وقل له: إن الرسول ﷺ يأمرك أن تعطيني كذا -بنفس الرقم المطلوب- وهو لا يعرف هذا الرجل، فذهب لصلاة الفجر، وسمع الناس يقولون: لماذا فلان لم يأت ليصلي معنا؟ قال: ربما يكون مريضًا -وذكروا نفس الاسم الذي أخبر به الرسول ﷺ في منامه، قال لهم: يا إخوة! أين أجد هذا الرجل؟ قالوا: هو رجل عنده ضياع وأنعام، ولكن يحتمل أن يكون مريضًا ولم يأت للصلاة، فاذهب وابحث عنه في المكان الفلاني.
فذهب يسأل عنه، فقالوا: هو القادم بهذا الفرس، فقال له: إن الرسول ﷺ يأمرك أن تعطيني كذا، فانتبه الرجل وجرى بالفرس ولف ورجع، وقال: ماذا تقول؟ قال: إن الرسول ﷺ يأمرك أن تعطيني كذا، فجرى بالفرس ودار به سبع دورات وعاد فأخذ باللجام وقال له: إن الرسول ﷺ يأمرك أن تعطيني كذا، قال: كم طلبت أنت؟ قال له: كذا، قال: فاضرب في سبعة، والله لو درت ألف دورة لضربتها في ألف، قال له: لم؟ قال: لقد جاء الرسول ﷺ وأمرني أن أعطيك.
وتعرفون قصة سيدنا علي والتمرات، فهذه أشياء توافق قلوبًا مسلمة وليست قاعدة شرعية، ولكن الرؤى الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، اللهم رقق قلوبنا يا رب العالمين! فالرسول ﷺ يخبرهم أنه يقعد على شمال العرش تجاه كفة السيئات، من أجل أن ينظر إلى أمته، فقالوا له: يا رسول الله! تعرفنا نحن؟ قال: (أعرف أمتي بين الأمم غرًا محجلين من آثار الوضوء) أي: أعرفهم بوجوههم المنيرة وأعقابهم المنيرة من آثار الوضوء، فالذي لا يصلي ولا يتوضأ حرم نفسه من معرفة الرسول ﷺ له، فبما أنه لا يصلي فكيف يعرفه الرسول؟ بل سيقول له: لا أعرفك.
ثم ينادي الله ﷿ عند نصب الموازين: (يا آدم قم فابعث بعث النار) أي: أخرج من أولادك أهل الجنة وأهل النار، قال: (فيقوم فيبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فخاف الصحابة من ذلك، فقال: (لا تخافوا إنما أنتم في أهل النار كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، إن معكم من الأمم ما سوف تثقل موازين أهل النار يأجوج ومأجوج واليهود والنصارى) يعني: أن المؤمن يمر على النار، لأنك عندما تخلق يوجد لك مكانان مكان في الجنة ومكان -والعياذ بالله- في النار.
فيقول الملائكة: يا عبد الله! انظر هذا مكانك لو عصيت الله، واذهب هناك في الجنة، ويجعل فداءك من النار يهوديًا أو نصرانيًا، فاليهودي والنصراني يرث مكانك في النار، ولذلك ربنا سمى أهل الجنة بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون:١٠ - ١١] اللهم اجعلنا من ورثة جنة النعيم يا رب! فيكون العبد المؤمن ميراثه في الجنة ونعم الميراث، فميراثه جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ [الزمر:٧٤].
قال: (يا آدم قم فابعث بعث النار) إذًا: لم أنت يا رسول الله! قاعد على يسار العرش أمام كفة السيئات، وأمام جهنم من أجل أن الذي تخف حسناته تقوم فتشفع له عند ربه.
قال رسول الله ﷺ: (كيما أرى الذاهبين من أمتي إلى النار فأشفع لهم عند ربي).

13 / 14