173

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

الدار الآخرة - عمر عبد الكافي

Genres

الفرق بين الصديق وأصحاب موسى وسيدنا أبو بكر عندما ارتجف في الغار قائلًا: يا رسول الله! ما أظن إلا أن القوم قد رأونا، وما ذلك إلا لأن عينيه وقعتا في عيني أبي جهل، أو وقعت عينا أبي جهل في عيني أبي بكر، فقد رآه بلا شك، فماذا يعمل الحبيب؟ هو يعرف رصيد أبي بكر الإيماني، فقال له: (لا تحزن يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أي: فمن الذي يغلبهما؟ وانظروا الفرق بين أبي بكر وبين أصحاب موسى عند أن قالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء:٦١]، ولذلك حديث الدار الآخرة مهم للعقيدة، من أجل أن الذي يخاف من غير الله لا يخاف إلا منه سبحانه، فالطالب الذي دخل الامتحان أو الموظف الذي يخاف من مديره، أو الرجل الذي يخاف من أمن الدولة أن تعمل به كذا وكذا، فكل هؤلاء ينبغي عليهم ألا يخافوا إلا من الله وحده، فإن خفت من الله أخاف منك المخلوقات كلها، ولذلك لما قال لموسى أصحابه: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) لأن فرعون من ورائهم، قال لهم موسى: ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء:٦٢] وهل هذا من أدب النبوة؟ أي: أن يقدم معيته على لفظ الجلالة؟ ألم يكن الواجب أن يقول: إن ربي معي كما قال الرسول لـ أبي بكر: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فقدم لفظ الجلالة على لفظ المعية، أما سيدنا موسى فقدم لفظ المعية على لفظ الجلالة فلماذا؟ لأن الذي مع رسول الله ﷺ هو أبو بكر وإيمانه كامل، فأول ما قرأ: (إن الله) سكن قلب أبي بكر؛ أما الذين مع سيدنا موسى فهم يهود مذعورون خائفون على أنفسهم، فيطمئنهم أولًا على أنفسهم، ثم بعد ذلك يأتي بلفظ الجلالة قائلًا: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي). إذًا: فالفرق قائم بين المخاطبين، مثل الذي يجلس على جبل عرفات، وهو متعب يقول: يا إلهي، متى سيكتمل هذا النسك، ما هذا الحر؟ هذا غير معقول؟ لم أكن أتخيل أن الأمر هكذا، فهو ينتظر المغرب بفارغ الصبر، والثاني بجانبه مؤمن لا يريد المغرب أن يأتي، فلا يشعر بالحر، ويقول: يا ليت أن المغرب لا يأتي، فهذا اليوم قد لا يعوض مرة أخرى، فهذا لا يحس بالحر، والأول قد أتعبه الحر مع أن الجو واحد. إذًا: فقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، هذا لسيدنا أبي بكر ﵁، فاللهم اجعلنا معه في الجنة يا رب العالمين. وقد كان رسول الله ﷺ ربعة بين الرجال، لا طويلًا جدًا ولا قصيرًا، يعني: كان متوسطًا في الطول، لا نحيف ولا سمين، بل كان ربعة بين الرجال، لكن كان إذا سار مع طويل خيل للرائي أن الرسول أطول، ولذلك قالوا: يا عباس قال: نعم، قالوا: أنت عم رسول الله وحبيبه، قال: نعم، قالوا: إذًا أنت الأكبر أو الرسول؟ والعباس هذا من آل بيت النبي ﷺ، وآل بيت النبوة ألهمهم ربنا الرشد في الكلام وقال فيهم: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:٧٣]، فاللهم احشرنا في زمرتهم يا رب، فقال العباس: رسول الله أكبر مني، ولكني ولدت قبله. أي: لا يصلح أن أكون أنا الأكبر وهو رسول الله، بالله عليك لو أن شخصًا سألك في هذا الزمان، أنت أكبر أم ابن أخيك؟ لقال لك غالبًا: يا بني! ابن أخي من سن أولادي، لكن العباس تخرج الحكمة من لسانه، اللهم أنطقنا بالحكمة يا رب.

9 / 6