الدليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني
الدليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني
Maison d'édition
دار الكيان للطباعة والنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
الدليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني
تأليف
أبي الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري
راجعه وقدم له ولخص أحكامه
فضيلة الشّيخ المحدث
أبو الحسن السليماني
تقديم فضيلة الدكتور المحدث ... تقديم فضيلة الأستاذ الدكتور
سعد بن عبد الله الحميد ... حسن مقبولي الأهدل
دار الكيان
لِلطباعة والنشر والتوزيع
لِصاحبها/طلال حامد الأمير
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم فضيلة الشّيخ سعد بن عبد الله الحميد
- حفظه الله -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد:
فقط اطّلعت علي الكتاب الّذي صنَّفه أخبرنا الفاضل/ نايف بن صلاح المنصوري بعنوان: "الدّليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني"، الّذي جمع فيه شيوخ الإمام أبي الحسن الدراقطني، ثمّ قام بالترجمة لمن استطاع منهم. وقد وُفِّق بحمد الله تعالى، وقد زان عمله هذا بعرضه على الشّيخ الفاضل أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المأربي، الّذي قام بالحكم على هؤلاء الشيوخ جميعهم، معلِّلًا حكمه عليهم، وهو لذلك أهل، وكتابه: "شفاء العليل في الجرح والتعديل" شاهد على ذلك.
ومما لا شك فيه أنّ طلبة العلم بحاجة ماسَّة لمثل هذا العمل الّذي لا يدرك أهميته إِلَّا من عانى صنعة الأسانيد، ودراسة أحوال الرجال، والحكم على
1 / 3
الأحاديث، فإنّه يقف حائرًا في أحايين كثيرة في العثور على ترجمة لشيوخ الإمام الدراقطني وأهل تلك الطبقة، ولربما كان الحكم على الحديث متوقِّفًا على معرفة حال ذلك الراوي.
ومما يدلُّك على هذا أنّ شيخنا ناصر الدِّين الألباني ﵀ وحسبك به في معرفة أحوال الرجال- كثيرًا ما يتوقف عن معرفة أحوال بعض هؤلاء الشيوخ، لأنّه لم يقف على من ترجم لهم.
فنسأل الله تعالى أنّ يجزئ أخانا نايف بن صلاح خير الجزاء على هذا الجهد المبارك إنَّ شاء الله، ونحن نترقَّب منه أنّ يتحفنا بأمثاله من الأعمال الّتي تذلل الصِّعاب على طلبة العلم، ويبقى له ذخرها إنَّ شاء الله، وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
سعد بن عبد الله الحميد
1 / 4
الدّليل المغني لشيوخ الإمام الحسن الدارقطني
1 / 5
حُقوق الطبع محفُوظة
دَارُ الكيان
للطباعة والنشر والتوزيع
لصاحبها /طلال حامد الأمير
المملكة العربيّة السعودية -الرياض
ص. ب:٥٧٦٨٤ - ١١٥٨٤
هاتف وفاكس:٢٠٦٧٠٦٧ - جوال٠٥٠٤١٩٧٢٤٨
البريد الإلكتروني: Dar_alkayan@hotmail.com
التوزيع داخل دوله الإمارات
تليفون: ٠٠٩٧١٦٥٦٣٩٣٩٦ - جوال: ٠٠٩٧١٥٠٦٣٣٩٣٠٣
التوزيع داخل جمهورية مصر العربيّة
محمول: ٠١٠١١١٠٠٦٧
رقم الإيداع: ١١٩٢٦/ ٢٠٠٧
الطبعة الأولى: ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
1 / 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة فضيلة الشّيخ المحدث/ أبي الحسن السليماني
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمّا بعد:
فإنَّ من رحمة الله ﷾ بالنَّاسِ بقاء العلماء وطلاب العلم، وما من بلد يشتهر فيها علم الحديث والرجال؛ إِلَّا قُمِعَت فيها البدعة، واستوى عود السُّنَّة، وشُيِّد عرشها، وعكسه عكسه، ومن نوابغ طلاب العلم الحديثي في اليمن أخبرنا الفاضل، والطالب الماثل/ أبو الطيب نايف بن صلاح المنصوري -حفظه الله من فتنة المحيا والممات- فقد أتحف طلاب العلم والمكتبة الإسلامية الحديثة بكتابه النافع الماتع: "إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني" ذلكم الكتاب الّذي يُعَدُّ مفخرةً لطلاب علم الحديث النبوي باليمن -ولا أزكي على الله مؤلفه- وها هو يتحفنا بسِفْرٍ آخر، وبكنز جديد- ضمن سلسلته المباركة: "تقريب رواة السُّنَّة بين يدي الأمَّة"- ألا وهو الكتاب الخاص بتراجم شيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني- رحمة الله عليه-.
وقد سلك فيه المؤلِّف مسلكه السابق في الكتاب المشار إليه، وحاول في هذا الكتاب كسابقه أنّ يستوعب -ما استطاع- شيوخ الدارقطني، فوقف على أكثر من عشرين مصنفًا من كتب الدارقطني المطبوعة، ومع ذلك فقد وقف على مشايخ آخرين للدارقطني في غير كتبه بما يقارب خمسين ومائة شيخ لم يذكروا في كتب الدارقطني المطبوعة، وهذا إن دل فإنّما يدلُّ على علو الهمة، وسموَّ المقصد، وشرف الغاية،- ولا أزكي على الله أحدًا-.
1 / 7
ومعلوم أنّ هذا الجهد لا يقدره إِلَّا من كابَدَ البحث في المشايخ النازلين، وقديمًا قيل:
لا يعرف الشوق إِلَّا من يكابده ... ولا الصبابة إِلَّا من يعانيها
وإن بعض الباحثين يكتب في مثل هذا الباب، ولا يؤدِّيه حقه، ولا يغلق الباب -في الجملة- على من بعده، بل يترك ثغرات، ويتعجَّل في دعوى عدم الوقوف على المترجم له، ونحو ذلك، ومع دعائي لهم بأن يوفقهم الله إلى إكمال ما نقص، واستدراك ما فات، وأن يجزي لهم العطاء على صالح قصدهم، وعلى ما بذلوه، إِلَّا أنّ البون شاسع، والفارق واسع بين هذا العمل وغيره، وحُقَّ لي أنّ أتمثل بقول القائل:
وما كُلَّ مخضوب البنان بثينة ... ولا كلّ مصقول السلاح يماني
وقد يسر الله ﷾ لي فرصة التلخيص لأقوال الأئمة في المترجم لهم، وذكرت حكمًا ينبؤ عن أقوال الأئمة في الراوي، وكثيرًا ما أعلل حكمي على الراوي؛ ليكون عذرًا لي، ومنهجًا يستفيده طلبة العلم في كيفية الترجيح بين أقوال الأئمة الّتي ظاهرها التعارض، وقد ذكرتُ في مقدمة الكتاب الأوّل بعض التفاصيل في هذا الصدد، فأسأل الله ﷾ أنّ يجعل هذا الكتاب نورًا وسراجًا لمؤلفه وقارئه صلّي ولجميع المسلمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى-آله وصحبه وسلم.
كتبه
أبو الحسن السليماني
دار الحديث بمأرب ٢١/ ٦/ ١٤٢٧هـ
1 / 8
مقدمة الأستاذ الدكتود/ حسن مقبولي الأهدل
نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية
عميد كلية الشّريعة والقانون سابقًا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد اطلعت على ما كتبه الأخ الفاضل العلّامة أبو الطيب نايف بن صلاح المنصوري عن شيوخ الإمام الدارقطني والموسوم بـ "الدّليل المغني لشيوخ الإمام أبي الحسن الدارقطني " فقد أجاد الكاتب -فيما كتبه وحرره؛ تسهيلا للوقوف على رجال كتب الحديث المتأخرة في القرن الرّابع، وقد أفاد في هذا الموضوع إفادة عظيمة، حيث كان الكثير من الباحثين يصعب عليهم البحث والتحقيق في معرفة رجال القرن الرّابع من شيوخ الدارقطني والحاكم ومن كان في عصرهما، وقد سهل الباحث هذا الأمر وأصبح في متناول الباحثين من طلاب العلم بالحديث، وهو أهل لهذا البحث وغيره ممّا يخدم السُّنَّة تحقيقًا للرواية والدراية، وزاده الله خيرًا وعلما على ما قدم من جهد في هذا المضمار، ونسأل الله له التوفيق والسداد في جميع أعماله الّتي يرومها في مجال العلم وخدمة السُّنّة المطهرة.
وصلّى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
أ. د./ حسن محمد مقبولي الأهدل
كلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء
1 / 9
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّساء: ١]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠،٧١].
أمّا بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمّد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد: فإن ممّا يسرني ويسعدني أنّ أتقدم إلى إخواني الكرام، من محبي هذا العلم الشريف، والباحثين عن رواة الحديث، بهذه الرسالة الثّانية من "سلسلة تقريب رواة السُّنَّة بين يدي الأُمَّة" وهذه السلسلة أرجو الله ﷿ أنّ يجعلها مباركة لي ولإخواني طلاب العلم، ولكل من له شغف برواة الحديث، وما قيل في كلّ منهم من مدح أو تجريح، وعنوان هذه الرسالة: "الدّليل المغني لشيوخ الدارقطني" وهي رسالة ترشد الطالب والباحث إلى معرفة ثلة مباركة من رواة السُّنَّة الغراء على صاحبها أفضل الصّلاة وأتم التسليم، ولا شك أنّ معرفة الإنسان بأحوال العلماء، رفعة وزين، وإن جهل طلبة العلم وأهله بهم لوصمة وشين، ولقد علمت الأيقاظ أنّ العلم بذلك جم المصالح والمراشد، وأن الجهل به إحدى جوانب المناقص والمفاسد، من حيث كونهم
1 / 11
حفظة الدِّين الّذي هو أس السعادة الباقية، ونقلة العلم الّذي هو المرقاة إلى المراتب العالية، فكمال أحدهم يكسب مؤدَّاه من العلم كمالًا، واختلالها يورث خللًا وخبالًا، وفي المعرفة لهم معرفة من هو أحق بالاقتداء، وأحرى بالاقتفاء، والجاهل بهم من مقتبسة العلم مسوٍّ لا محالة عند اختلافهم بين الغث والسمين، غير مميز بين الرَّث والوزين، وقد روي عن الإمام مسلم بن الحجاج أنّه قال: إنَّ أول ما يجب على مبتغي العلم وطلابه أنّ يعرف مراتب العلماء في العلم، ورجحان بعضهم على بعض؛ ولأن المعرفة بالخواص آصرة ونسب، وهي يوم القيامة وصلة إلى شفاعتهم وسبب؛ ولأن العالم بالنسبة إلى مقتبس علمه بمنزلة الوالد بل أفضل، فإذا كان جاهلًا به فهو كالجاهل بوالده بل أضل (١). وقد قيض الله من الحفاظ والوعاة ويسَّر من النقَلَة والرواة طائفة أذهبوا في تقييدهم أعمارهم، وأجالوا في نظم قلائدهم وأفكارهم، فجزاهم الله عنا وعن سنة نبيّنا ﷺ خير الجزاء، وثقَّل بها موازينهم عند اللِّقاء، وبيَّض بها وجوههم يوم الجزاء، فهم القوم حقًّا لا يشقى جليسهم، وهم الرجال، وسائر من أنّ بعدهم عيال، وما نحن إِلَّا متشبهون، ومحبون، ومؤتسون.
وصدق من قال:
وتشبهوا إنَّ لم تكونوا مثلهم ... إنَّ التَّشَبه بالكرام فلاح
أمّا إدراك شأوهم، وبلوغ فضلهم، وقيل منازلهم، فهيهات هيهات، فالمغرور من ظن أنّه صار بين عشية وضحاها كأحدهم، فقال: هم رجال، ونحن رجال. فضلًا عن أنّ يظن أنّه خير من أدناهم، وما أوتي هذا المغرور إِلَّا من ترك التأدب بآداب المتعلمين، وغفل عن أنّ التخلية قبل التحلية؛ كما قيل (٢). وتشبهًا بطريقة هؤلاء الأخيار في جمع رواة الأخبار، من الأجزاء والمشيخات، وبطون كتب الأحبار، فقد جمعتُ في هذه الرسالة شيوخ أحد الأئمة الأعلام، الذَّابين عن سنة خير الأنام، عليه أفضل الصّلاة
_________
(١) انظر مقدمة طبقات الشّافعيّة لابن الصلاح (١/ ٧٤ - ٧٥).
(٢) انظر "مقدمة تبييض الصحيفة"ص (٤).
1 / 12
والسلام، وهو ذاك العَلَمُ الهمام، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني الإمام، قمت بجمع ذلك من جميع كتبه المطبوعة الّتي وقفت عليها، والتي بلغت أربعة وعشرين كتابًا، وكذا من كان منهم في "تاريخ بغداد" أو"لسان الميزان" ممّا نقله الحافظ عن الدارقطني من "غرائب مالك" أو"الأفراد" وكذا ما كان من ذلك في كتاب أبي الفضل بن طاهر المقدسي "أطراف الغرائب والأفراد" وغير ذلك ممّا هو مبثوث في بطون كتب الرجال، ممّا سيقف عليه الناظر -إنَّ شاء الله تعالى- في ثنايا هذا الكتاب.
وقد ذكرت بين يدي هذه الرسالة ترجمة للدارقطني، تكلمت فيها عن:
اسمه، ونسبه، وكنيته، وبلده، ومولده، وصفاته الخَلقِيَّة الخُلُقِيَّة، وطلبه للعلم، ونشأته فيه، ورحلاته، وبعض الفوائد المتعلِّقة بشيوخه وتلاميذه، وعقيدته، وتدليسه، ومذهبه الفقهي، وثناء أهل العلم عليه، والاتهامات الموجهة إليه، ومؤلفاته، ومرضه، ووفاته، ومكأنّها، والمنامات الّتي رويت له بعد موته.
وأمّا ما يتعلّق بالطريقة الّتي سلكتها في هذه الرسالة، فإني قد رتبتها على حروف المعجم، وسلكت في ذلك ما سلكته في الرسالة الأولى المتعلّقة بشيوخ الطبراني، إِلَّا أني هاهنا أنبه على أمور:
١ - الأصل أني في ذكر ما قيل في الراوي أبدأ بكلام تلميذه الدارقطني، مقدمًا في ذلك توثيقه الصريح.
٢ - أذكر ما ظفرت به من عبارات المحققين والباحثين في عدم العثور على هذا الراوي وليس ما ذكرمن ذلك عن العلماء والمحققين من باب التنقص لهم، ولاهو بمزحزح لهم عن مُنيف مقامهم؛ لأنّ السَّيِّد من عُدَّت سقطاته، ولله در القائل:
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ ... من شر أعينهم بعيبٍ واحد
٣ - أرتب المصادر على الوفيات، إِلَّا إذا كان للكتاب مختصرات أو تهذيبات، فإني -والحالة هذه- أقدم ما يتعلّق بهذا الكتاب وإن كان مختصره أو مهذبه متأخر الوفاة.
٤ - إذا أطلقت "المؤتلف" فالمراد به كتاب الدارقطني.
1 / 13
٥ - إذا كان الشّيخ مترجم في الكتاب الآخر "شيوخ الطبراني" فإني أكتفي بالإحالة إليه مع نقل حكم شيخنا المحدث أبي الحسن السليماني حفظه الله.
هذا ما أردت بيانه في هذه المقدِّمة، وأرجو أنّ لا يبور ما جمعته، ولا يضيع ما كتبته، وأثبته من ذلك، وصنفنه، وأسأل الله التوفيق في المقال، والتسديد في جميع الأفعال، إنّه بذلك ولي، والمرجو فيه ملي، وهو حسبي، وإليه في كلّ أمر مرجعي، وعليه توكلي، ولا حول ولا قوة إِلَّا به، إنّه نعم المولى ونعم الوكيل.
جزى الله خيرًا كلّ من كان ناظرًا ... لمجموعتي هذي بستر القبائح
وأصلح ما فيها من العيب كله ... فهذا الّذي أرجوه من كلِّ ناصح (١)
وصلّى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرا.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو الطيب
نايف بن صلاح بن علي المنصوري
بدار الحديث الخيرية بمأرب حرسها الله
والقائمين عليها من كلّ سوء ومكروه
ليلة الأحد ١١/ ٢/ ١٤٢٧هـ.
_________
(١) انظر "فهارس الفهارس" (١/ ٥٦).
1 / 14
ترجمة أبي الحسن الدَّارقطني
* اسمه ونسبه وكنيته وبلده:
هو علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله، أبو الحسن، البغدادي، الدارقطني (١).
* مولده:
ولد سنة ستّ وثلاثمائة، وقيل: كان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة خمس وثلاثمائة، ونقل الخطيب القولين، وصدر كلامه بالقول الأوّل (٢)، ويرجحه ما جاء في "سؤالات السلمي (٣) " عن الدارقطني نفسه حيث قال: ولدت في سنة ستّ وثلاثمائة.
* صفاته الخَلْقية:
قال أبو القاسم بكر بن علي بن بكر بن علي بن حماد البندار: كان طويلًا أبيضًا (٤).
* صفاته الخُلُقِيَّة:
قال الخطيب: كان فريد عصره ... مع الصدق والأمانة، والفقه، والعدالة، وقبول الشّهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب (٥). وقال الحاكم: صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع (٦). ومع صدقه وأمانته وورعه، فقد جمع فصاحة اللسان، فقد
_________
(١) بفتح الدال، وسكون الألف، وفتح الراء، وضم القاف، وسكون الطاء المهملة، وفي آخرها نون، نسبة إلى محلة ببغداد، يقال لها: دار قطن. قال السمعاني: وهي محلة كبيرة خربت السّاعة. انظر "الأنساب" (٢/ ٥٠٠).
(٢) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٩ - ٤٠).
(٣) برقم (٤٢).
(٤) أطراف الغرائب (١/ ٩٢).
(٥) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٤).
(٦) تاريخ دمشق (٤٣/ ٩٦).
1 / 15
ذكر الأزهري أنّ أبا الحسن الدارقطني لما دخل مصر، وأراد قراءة كتاب "النسب" للزبير بن بكار؛ على شيخ علوي يقال له: مُسَلَّم بن عبيد الله وكان أحد الموصوفين بالفصاحة، المطبوعين علي العربيّة اجتمع إليه من كان فيها من أهل العلم والأدب والفضل، فحرصوا على أنّ يحفظوا على أبي الحسن لحنه، أو يظفروا منه بسقطة، فلم يقدروا على ذلك، حتّى جعل مسَلَّم يعجب، ويقول له: وعربيّة أيضًا (١). وقال المُعيطي الأديب: يا أبا الحسن أنت أجرًا من خاصي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب، فلا يؤخذ عليك فيه لحنة (٢).
وكان ﵀ -أيضًا- موصوفًا بشدة الذكاء، فقد قال الأزهري: كان الدارقطني ذكيًّا، إذا ذوكر شيئًا من العلم -أيَّ نوع كان- وُجِدَ عنده منه نصيب وافر (٣).
وموصوفًا كذلك بشدة الحافظة، فقد روي أنّه حضر في حداثته مجلس الصفَّار، فجلس ينسخ جزءًا كان معه، وإسماعيل الصفار يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال له الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثمّ قال: تحفظ كما أملى الشّيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثًا فعُدَّت الأحاديث، فوجدت كما قال. ثمّ قال أبو الحسن: الحديث الأوّل منها عن فلان، عن فلان، ومتنه كذا، والحديث الثّاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتّى أنّ على آخرها، فتعجب النَّاس منه (٤).
_________
(١) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٥).
(٢) معرفة القراء (٢/ ٦٧٠).
(٣) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٦).
(٤) أخرجها الخطيب في "تاريخه" (١٢/ ٣٦ - ٣٧) وهي حكايته منقطعة بين الأزهري والدارقطني، انظر التأصيل (ص ٧٩)، وحاشية "المقنع" للجديع (١/ ٣٠٨) إِلَّا أنّ السخاوي قال في "فتح المغيث" (٢/ ١٩٥): سمعت شيخنا يحكي عن بعضهم أنّه كان يقرنها بما وقع للبخاري، حيث قلبت عليه الأحاديث، ويتعجب شيخنا من ذلك وهو ظاهر في التعجب. اهـ.
1 / 16
وقال محمّد بن طلحة النعالي: حضرت مع أبي الحسن في دعوة عند بعض النَّاس ليلة، فجرى شيءٍ من ذكر الأكلة، فاندفع أبو الحسن يورد أخبار الأكلة وحكاياتهم ونوادرهم حتّى قطع ليلته أو أكثرها بذلك (١).
وقال العتيقي: حضرت أبا الحسن وقد جاءه أبو الحسين البيضاوي ببعض الغرباء وسأله أنّ يقرأ له شيئًا، فامتنع واعتلَّ ببعض العلّل، فقال: هذا غريب، وسأله أنّ يُملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسًا يزيد عدد أحاديثه على العشرة متون، جميعها: "نعم الشيء الهدية أمام الحاجة" وانصرف الرَّجل ثمّ جاء بعد وقد أهدى له شيئًا، فقربه وأملى عليه من حفظه بضعة عشر حديثًا، متونها جميعًا: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (٢) " قال الذهبي: هذه حكايات صحيحة، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام (٣).
قال مقيده -عفا الله عنه -: ومما يدلُّ على سعة حفظه وقوته، ما ذكره الخطيب عن شيخه البرقاني قال: قلت له: هل أبو الحسن يملي عليك "العلّل" من حفظه؟ فقال: نعم. ثمّ شرح لي قصة جمع العلّل (٤). قال الذهبي: قلت: إن كان كتاب "العلل" الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه، كما دلت عليه هذه الحكاية فهذا أمر عظيم، يقضى به للدارقطني أنّه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن (٥). وقال في "التاريخ (٦)،: قلت: وهذا شيءٍ مدهش؛ كونه يملي "العلّل" من حفظه، فمن أراد أنّ يعرف قدر ذلك فليطالع كتاب "العلّل" للدارقطني ليعرف كيف كان الحفاظ.
وكان ﵀ جيد الخط، وقد أكثر الخطيب من النقل عنه، ومن الكتب الّتي
_________
(١) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٦).
(٢) أخرجها الخطيب في "تاريخه" (١٢/ ٣٩).
(٣) النبلاء (١٦/ ٤٥٦).
(٤) تاريخ بغداد (١٢/ ٣٧).
(٥) النبلاء (١٦/ ٤٥٥).
(٦) (٢٧/ ١٠٣).
1 / 17
كتبها بخطه، ونقلت إلينا كتاب "الكنى والأسماء" للإمام مسلم (١).
* طلبه للعلّم ونشأته فيه:
نشأ الدارقطني - رحمه الله تعالى- في بيت علم، فقد كان والده ﵀ من أهل العلم بالحديث، وقد روى عنه ولده أبو الحسن (٢) وبدأ الكتابة في سن التّاسعة، حيث يقول عن نفسه: كتبت في أول سنة خمس عشر وثلاثمائة (٣). ويبدو أنّه حفظ القرآن أيضًا في هذه المرحلة، وكان جميل الصوت، فقد قال عن نفسه: كنت أنا والكتاني نسمع الحديث، فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدث البلد، ويخرج الدارقطني مقرئ البلد - يعني لحسن صوته- فخرجت أنا محدثًا والكتاني مقرئًا (٤)، ولم يكن محدثًا فحسب بل كان إمامًا أيضًا في القراءات، وقد تصدر في أواخر عمره للإقراء، وألف في ذلك كتابًا جليلًا لم يؤلَّف مثله، وهو أول من وضع أبواب الأصول قبل الفرش، ولم يعرف مقدار هذا الكتاب إِلَّا من وقف عليه (٥). قال الذهبي: لكن لم يبلغنا ذكر من قرأ عليه وسأفحص عن ذلك إنَّ شاء الله تعالى (٦). قلت: قال ابن الجزري في "غاية النهاية (٧) ": روى عنه الحروف من كتابه محمّد بن إبراهيم بن أحمد.
وكان ممّن بكَّرَ في حضور مجالس العلماء والسماع منهم، فسمع من أبي القاسم البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وغيرهم، وهو صبي؛ كما قال الذهبي (٨). وقال ابن القوَّاس: كنا نمر إلى ابن منيع، والدارقطني صبي يمشي خلفنا بيده رغيف كامخ،
_________
(١) مرويات الإمام الزّهريُّ المعلة (١/ ٦٧).
(٢) السنن (١/ ٩٩)، (٢/ ١٠٣، ١٧٨)، تاريخ بغداد (١١/ ٢٣٩).
(٣) سؤالات البرقاني (٩)، أطراف الغرائب (١/ ٥٢).
(٤) المنتظم (١٤/ ٣٨٠).
(٥) غاية النهاية (١/ ٥٥٩).
(٦) النبلاء (١٦/ ٤٥١).
(٧) (١/ ٥٥٩).
(٨) النبلاء (١٦/ ٤٤٩)، وانظر "أطراف الغرائب" (١/ ٥٥).
1 / 18
فدخلنا إلى ابن منيع ومنعناه، فقعد على الباب يبكي (١)، ولذا وقع له أحاديث رباعيات. قال الذهبي: وعنده رباعيات قليلة لينة الإسناد (٢)، وقد جمعها الدارقطني في مصنف (٣).
* رحلاته:
بعد أنّ سمع الإمام الدارقطني - رحمه الله تعالى- من شيوخ بلدته "بغداد" وأمعن في الأخذ عنهم، وعن القادمين إليها جريا على سنة السلف في ذلك، رحل إلى بعض الأقطار الإسلامية، ويظهر أنّه بدأ بالمدن المجاورة.
فرحل إلى البصرة في حدود العشرين وثلاثمائة (٤)، وسمع بها من شيوخ عدة؛ كمحمد بن سليمان المالكي (٥)، وأحمد بن محمّد العطَّار (٦)، ويعقوب بن يوسف الخلال (٧)، وغيرهم.
ودخل الكوفة، وسمع بها من محمّد بن القاسم بن زكريا المحاربي السوداني (٨)، وعبد الله بن يحيى الطلحي (٩)، وغيرهما.
وواسط، وسمع بها من أحمد بن عمرو بن عثمان المعدل (١٠)، وأحمد بن محمّد بن سعدان (١١)، ومحمد بن محمود بن محمّد السراج (١٢)، وغيرهم.
_________
(١) تاريخ دمشق (٤٣/ ٩٨).
(٢) معرفة القراء (٢/ ٦٧٣)، النبلاء (١٦/ ٤٦٠).
(٣) الإمام أبو الحسن الدارقطني (٢١٣).
(٤) الميزان (٣/ ٥٧٢).
(٥) السنن (١/ ١٧٨).
(٦) السنن (٣/ ٦٤).
(٧) السنن (١/ ٢٧٠).
(٨) السنن (٢/ ٩٨).
(٩) السنن (١/ ٣٥٦).
(١٠) السنن (١/ ٤٠١).
(١١) السنن (٢/ ٢٨٦)، تاريخ بغداد (١٢/ ٣٧).
(١٢) العلّل (٤/ ١٨٤).
1 / 19
والمَفْتَح، وسمع بها من الحسن بن علي بن قومي (١)، ومحمد بن الحسن بن أبي الشوارب (٢).
والمباركة، وسمع بها من إسحاق بن إدريس المباركي (٣).
والأُبلة، وسمع بها من يحيى بن موسى بن إسحاق بن وهب (٤).
وذكر ابن نقطة أنّه ارتحل أيضًا إلى الأهواز (٥)، وخوزستان (٦).
ثمّ ارتحل إلى الحجاز للحج (٧)، وسمع بمكة من الحسن بن الخضر المعدَّل (٨).
ثمّ رحل إلى الشّام، ومصر. قال الحاكم: ثمّ دخل الشّام ومصر على كبر السنن (٩). وقال ابن عساكر: قدم دمشق مجتازًا إلى مصر (١٠)، لكن هذا لم يمنع من سماعه من بعض مشايخها، إذ مرَّ على بعض مدنها كالرملة؛ فسمع بها من أبي العباس عبيد الله بن محمّد الشّافعيّ (١١)، ومحمد بن عمر بن أيوب المعدَّل (١٢).
ودخل طبرية، وكتب بها تاريخ محمّد بن خُزَز الطبراني، كما صرح هو نفسه بذلك (١٣).
_________
(١) السنن (٢/ ١١٢).
(٢) السنن (٤/ ١٩٥).
(٣) السنن (٢/ ١٥٤).
(٤) السنن (٣/ ٢١١).
(٥) التقييد (٤١٠).
(٦) تكملة الإكمال (١/ ٩٩).
(٧) تاريخ دمشق (٤٣/ ٦٩).
(٨) السنن (١/ ١٢٠).
(٩) تاريخ دمشق (٤٣/ ٩٦).
(١٠) تاريخ دمشق (٤٣/ ٩٤).
(١١) الرؤبة (٣٣).
(١٢) السنن (١/ ٩٧).
(١٣) المؤتلف والمختلف (٢/ ٧٢٣).
1 / 20
وأمّا رحلته إلى مصر فكانت سنة سبع وخمسن وثلاثمائة (١)، وسمع بها من علي بن عبد الله بن الفضل (٢)، ومحمد بن عبد الله مُسَلَّم (٣)، وعلي بن أحمد بن الأزرق (٤)، وغيرهم. وقد انتفع به أهل مصر كثيرًا، ولما أراد الخروج منها خرجوا يودعونه وهم يبكون لفراقه، فقال لهم: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد، وفيه الخلف (٥)، وكان من أشهر تلامذته، وارتحل منها إلى جزيرة تِنِّيس ليسمع بها من شيخه محمّد بن علي بن الحسن النقاش، ويحدث عنه (٦).
* شيوخه:
أمّا شيوخه فهم موضوع هذه الرسالة، ولكن يمكنني أنّ أذكر في هذا المقام بعض الفوائد المتعلِّقة بهم، وبالله التوفيق.
الفائدةُ الأولي: فيما يتعلّق بذكر ما قيل في عددهم.
قال الدكتور الرحيلي: لم يُذكر أنّه صنف معجمًا لشيوخه ﵀ فإذا أردتُ أنّ أقدر عددهم، فأرى أنّهم لا يقلون عن ألف شيخ (٧).
وقال الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر: لدي قائمة بأسماء شيوخه الذين روى عنهم في "السنن" و"المؤتلف والمختلف" و"العلل" أو ذكرهم الخطيب في "تاريخ بغداد" مرتبة على حروف المعجم، وفي النية إخراجها في "مشيخة الدارقطني، إنَّ شاء الله تعالى (٨).
_________
(١) سؤالات حمزة (ص٢١٧)
(٢) السنن (٤/ ٢٩٥)
(٣) السنن (١/ ٣٠٨)
(٤) السنن (٢/ ١٨٦)
(٥) تكملة الإكمال (١/ ٩٧)
(٦) العلل (٥/ ١٥٠)
(٧) الإمام أبو الحسن الدارقطني (٥٣)
(٨) مقدمة المؤتلف (١/ ١٥)
1 / 21