القواعد الحسان لتفسير القرآن
القواعد الحسان لتفسير القرآن
Maison d'édition
مكتبة الرشد
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Lieu d'édition
الرياض
Genres
القاعدة الرابعة والخمسون: كثيرًا ما ينفي الله الشيء لعدم فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة
وذلك أن الله خلق الإنسان وركب فيه القوى، من السمع والبصر والفؤاد وغيرها ليعرف بها ربه ويقوم بحقه، فهذا المقصود منها، وبوجود ما خلقت له تكمل ويكمل صاحبها.
وبفقد ذلك يكون وجودها أضر على الإنسان من عدمها، فإنها حجة الله على عباده، ونعمته التي توجد بها مصالح الدين والدنيا، فإما أن تكون نعمة تامة إذا اقترن بها مقصودها أو تكون محنة وحجة على صاحبها إذا استعملها في غير ما خلقت له. ولهذا كثيرًا ما ينفي الله تعالى هذه الأمور الثلاثة عن أصناف الكافرين بها المكبلين بسلاسل وأغلال التقليد الأعمى للأباء والسادة والرؤساء، المنسلخين من آيات الله، وإن تسموا بأسماء إسلامية ولبسوا ثيابًا وألقابًا علمية، فهم المعنيون في كلام الله بوصف الكفار والمنافقين.
كقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾، [البقرة: ١٧١]، وقال في سورة الأعراف: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: من الآية١٧٢]،.
وهذه آيات ربوبيته واضحة ناطقة فيكم، وفي تكوينكم في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم، وإخراجكم منها بشرًا سويا، وتسخير ما في السموات والأرض جميعًا لكم، ثم ساقت الآيات في عاقبة غفلة الإنسان عن تلك الآيات.
وبين سبب هذه الغفلة بقوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾، [الأعراف: ١٧٥]،
أيْ ألقاها وخلعها كارهًا لها: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾، [الأعراف: ١٧٦]، فما أعطيناها له إلا ليتفكر بها في خلق الله وحكمته فيرتفع على درجات الكمال، ولكنه أخلد إلى الأرض البهيمية ورضي بالتقليد الأعمى الذي هو من خصائص الأنعام، ثم ختمها بسوء عاقبة هذا المنسلخ المقلد بقوله: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾، [الأعراف: من الآية١٧٩]،.
فأخبر أن صور الحواس الحيوانية موجودة ولكن فوائدها الإنسانية مفقودة ولذلك قال: ﴿لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: من الآية٤٦]،.
وقال: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١]،.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا
1 / 134