The Function of the Artistic Image in the Quran
وظيفة الصورة الفنية في القرآن
Maison d'édition
فصلت للدراسات والترجمة والنشر
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Lieu d'édition
حلب
Genres
الدواب في الحظيرة «١١».
وكذلك تصوير قوم لوط أيضا في هذا النسق القرآني، يقول الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ، نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ، وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ، وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر: ٣٣ - ٤٠.
وسبب التدمير هو التكذيب أيضا، ولكن التدمير هنا هو بالريح الحاملة للحجارة الحاصبة. ثم يبدأ التفصيل بعد هذا الإجمال، فالنبي لوط قد أنذرهم عاقبة المنكر الشاذ، ولكنهم شكّوا بإنذاره، بل إنهم حاولوا الاعتداء على ضيوفه أيضا، عندئذ طمس الله عيونهم، فلم يروا أحدا ثم ينتقل التصوير للأحداث من الماضي إلى الحاضر الملموس، على طريقة القرآن التصويرية، في إحياء المشاهد لتكون أبلغ في الاعتبار والعظمة، والتأثير في النفوس فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ ويكرر هذه الآية، لتحقيق الغرض الديني من التصوير.
يقول الزمخشري في فائدة التكرار: «فإن قلت ما فائدة تكرير قوله: فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟ قلت: فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادّكارا واتعاظا، وأن يستأنفوا تنبها، واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك، والبعث عليه وأن يقرع لهم العصا مرات، ويقعقع لهم الشنّ تارات، لئلا يغلبهم السهو، ولا تستولي عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير، كقوله فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان- عند كل نعمة عدها في سورة الرحمن، وقوله ويل يومئذ للمكذبين، عند كل آية أوردها في سورة المرسلات، وكذلك في الأنباء والقصص في أنفسها، لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب، مصوّرة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان» «١٢».
كذلك تصوير تدمير قوم شعيب بسبب تكذيبهم أيضا. يقول تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ الشعراء: ١٨٩.
فقد استظلوا بسحابة، من شدة الحرّ الخانق، فكانت هي الصاعقة التي دمّرتهم، وهم تحتها.
(١١) الكشاف: ٤/ ٤٠.
(١٢) المصدر السابق: ٤/ ٤٠ - ٤١.
1 / 284