192

المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي

المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي

Genres

وَهَذَا مَثَلٌ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْتِي بِأَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨]» (^١).
وقال القاسمي: «﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ: إِنَّ الْخَصْلَةَ مِنَ الْإِسَاءَةِ أَوِ الْإِحْسَانِ، إِنْ تَكُ مَثَلًا فِي الصِّغَرِ كَحَبَّةِ الْخَرْدَلِ: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ: فَتَكُنْ مَعَ كَوْنِهَا فِي أَقْصَى غَايَاتِ الصِّغَرِ، فِي أَخْفَى مَكَانٍ وَأَحْرَزِهِ، كَجَوْفِ الصَّخْرَةِ، أَوْ حَيْثُ كَانَتْ فِي الْعِلْمِ الْعُلْوِيِّ أَوِ السُّفْلِيِّ: ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ: يُحْضِرُهَا وَيُحَاسِبُ عَلَيْهَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ: يَنْفُذُ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ: ﴿خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ١٦] أَيْ: يَعْلَمُ كُنْهَ الْأَشْيَاءِ، فَلَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ. وَالْآيَةُ هَذِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء: ٤٧] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨]» (^٢).
وقال الشوكاني: «وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي ﴿إِنَّهَا﴾ رَاجِعٌ إِلَى الْخَصْلَةِ مِنَ الْإِسَاءَةِ وَالْإِحْسَانِ أَيْ: إِنَّ الْخَصْلَةَ مِنَ الْإِسَاءَةِ وَالْإِحْسَانِ ﴿إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ إِلَخْ، ثُمَّ زَادَ فِي بَيَانِ خَفَاءِ الْحَبَّةِ مَعَ خِفَّتِهَا فَقَالَ: ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ فَإِنَّ كَوْنَهَا فِي الصَّخْرَةِ قَدْ صَارَتْ فِي أَخْفَى مَكَانٍ وَأَحْرَزِهِ ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ: أَوْ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ بِقَاعِ السَّمَاوَاتِ أَوْ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ أَيْ: يُحْضِرُهَا وَيُحَاسِبُ فَاعِلَهَا عَلَيْهَا ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، بَلْ يَصِلُ عِلْمُهُ إِلَى كُلِّ خَفِيٍّ ﴿خَبِيرٌ﴾ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ» (^٣).
وقال الرازي: «وَلَمَّا نَهَى لُقْمَانُ ابْنَهُ عَنِ الشِّرْكِ، نَبَّهَهُ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَخَّرَ

(^١) ابن الجوزي (٦/ ٣٢٢).
(^٢) القاسمي (١٣/ ٤٨٠١).
(^٣) الشوكاني فتح القدير (١/ ١١٤٣).

1 / 192