176

المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي

المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي

Genres

وما حديث ذات أنواط عنا ببعيد فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ ﵁ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى حُنَيْنٍ (^١) -وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ- ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (^٢).
قال الشوكاني ولم يكن من قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرة أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون من أهل القبور، فأخبرهم ﷺ أنّ ذلك بمنزلة الشرك الصريح، وأنه بمنزلة طلب آلهةٍ غير الله تعالى (^٣). والذي يبدو جليًّا لنا أنَّ الصحابة ﵃ أجمعين إنَّما كان طلبهم بأن يجعل النبي ﷺ لهم ذاتَ أنواط كما أن للمشركين ذاتَ أنواط، وهذا يشبه سؤالَ بني إسرائيل لموسى ﵇ بقولهم: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨]، لا أنه هو الشرك بذاته؛ ذلك لأنَّ التشابه في وجهٍ أو فردٍ لا يلزم التشابه بينهما من كلِّ وجهٍ وفردٍ، وقد عذرهم النبي ﷺ ذلك لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر. ا هـ.
والمنتقل من الباطل الذي اعتاده، لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة لأن الصحابة

(^١) غزوة حنين، وتسمى: غزوة أوطاس، موضعان بين مكة والطائف، فسميت الغزوة باسم مكانها، زاد المعاد: ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، مؤسسة الرسالة: (١٤١٨ هـ/ ١٩٩٨ م)، عدد الأجزاء: خمسة أجزاء.
وحنين: هو واد إلى جانب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا من جهة عرفات، هذا ما اعتمده الحافظ في الفتح وغيره، رشيد رضا، تفسير المنار (١٠/ ٢١٧).
يقول الباحث: وحنين اليوم لا تعرف بهذا الاسم بل تعرف بالشرائع العليا، وهي منطقة قبيل مكة بقليل، وهي دون المواقيت، وأصبحت عامرة بالسكان والمنشآت.
(^٢) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم: (٢١٨٠)، وقال: «حسن صحيح»، وأحمد في مسنده (٢١٣٩٠)، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (٢٠٢).
صححه في رياض الجنة برقم (٧٦).
(^٣) الدر النضيد للشوكاني (٩).

1 / 176