الركن الخامس
الركن الخامس
Maison d'édition
دار اقرأ للطباعة والنشر والتوزيع
Lieu d'édition
دمشق- سوريا
Genres
جزئيات ثانوية في فقهياته وآدابه تكريسًا لحال التجزئة التي يحياها المسلمون اليوم، واكتفاءً منّا بالقشور عن اللب، وبالشكل عن المضمون، وبالخلاف عن الوفاق، بينما رسم لنا رسول الله ﷺ في حجة الوداع طريق السلامة حين كان يقول يوم النحر لكل من استفتاه: "افعل ولا حرج".
ومنها أن بعض المسلمين لم يعودوا يتورَّعون عن الحج بمالٍ حرام (١)، وصدق الشاعر إذ يقول:
إذا حججت بمالٍ أصلهُ دَنِسٌ ... فما حججت ولكن حجَّت الإبلُ
لا بل إنَّ من المسلمين اليوم من يشد الرحال إلى تلك البلاد ليجمع هناك المال الحرام وهو يعلم أن الله يضاعفُ السيئة بمكة كما يضاعف الحسنة.
ومنها أن من المسلمين مَن لم يعد يستشعر ذلك المعنى اللطيف من انتمائه إلى أُمة إسلامية واسعة الانتشار فوق هذه البسيطة خاصة إذا كان قدومه عن طريق البر، فكم بلدٍ سيقطعه الحاج من خلال طريق تصل إلى آلاف الكيلومترات يقضي منها على المنافذ الحدودية للبلاد الإسلامية أكثر مما يقضيه في جد السير الحثيث إلى مكة.
ومنها أن الحج أصبح مشروعًا ماديًا بحتًا تظلم فيه الطبقات المتوسطة القادرة أو تقدَّم على أنها من درجات متأخرة، فلم يعد الحاج يشعر بالرحمة التي ربَّانا عليها الإسلام، ورسخها فينا الحج إلى بيت الله الحرام، وإنْ هي إلّا أرقامٌ هائلة تحدد مستوى
_________
(١) قال إمامنا النووي: "ليحرص على أن تكون نفقته حلالًا خالصة من الشبهة، فإن خالف وحجّ بما فيه شبهة أو بمال مغصوب صح حجه في ظاهر الحكم لكنه ليس حجًا مبرورًا، ويَبْعد قبوله". هذا هو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة ﵏، وجماهير العلماء من السلف والخلف، وقال أحمد بن حنبل: "لا يجزيه الحج بمالٍ حرام". اُنظر الحاشية للعلامة ابن حجر على شرح الإيضاح للنووي ص ٣٠.
1 / 53