La Description de la Chaîne de Perles dans la Sincérité de la Parole de l'Unité
شرح الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
Genres
الأدلة على جواز التبرك بذات النبي ﷺ
من الأدلة على جواز التبرك بذات النبي ﷺ وآثاره: أنه جاء في الصحيحين عن أنس ابن مالك ﵁ وأرضاه قال: ولد لـ أبي موسى غلام، فجاء به إلى النبي ﷺ فحنكه النبي ﷺ، أي: أخذ تمرةً فلاكها في فمه، ثم وضعها في فم الطفل لينزل في بطنه شيء حلو، ثم دعا له بالبركة، وبعد ذلك سماه إبراهيم، فكان مجيء أبي موسى بطفله إلى النبي ﷺ يلتمس البركة منه، كما ذكر ذلك أنس ﵁.
وكذلك عائشة ﵂ وأرضاها قالت: (ما ولد مولود إلا جاءوا به إلى النبي ﷺ يتبركون بريقه ﷺ، فكان يحنكهم ويدعو لهم بالبركة).
ومن الأدلة على جواز التبرك بآثار النبي ﷺ: أنه ﷺ دخل على أم سليم، وكان ينام عندها، لأنه محرم لها، قيل: إنها من خالاته من الرضاعة، والله تعالى أعلى وأعلم، فنام ذات يوم عندها فعرق النبي ﷺ، وكان عرقه ﷺ أطيب من المسك، فأخذت أم سليم تجمع عرق النبي ﷺ وتضعه في قارورة، كما ورد ذلك في الصحيح، ففزع النبي ﷺ من فعلها، فسألها عن ذلك، فقالت: إني أتبرك به لي ولأولادي.
فقال لها مقرًا: (أصبت)، أي: أصبت في تبركك بهذا.
وأيضًا في الصحيح عن عروة بن مسعود الثقفي ﵁ الله عنه أنه ذهب إلى النبي ﷺ في صلح الحديبية قبل أن يسلم، ثم رجع إلى أهل قريش يحدثهم بمكانة النبي ﷺ بين أصحابه، فقال: ما كان رسول الله ﷺ يتنخم نخامة فتقع على يد أحدهم إلا دلك بها جلده، ثم قال: وما توضأ وضوءًا إلا كادوا يقتتلون على وضوئه؛ تبركًا بهذا الماء.
وأيضًا: فعله ﷺ في غزوة الحديبية، وذلك حين ردوه عن البيت، وكان الموقف موقف إحصار، فإنه دعا الحلاق، فحلق الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر، ثم فرق هذا الشعر على أصحابه أبي طلحة وغيره من أصحابه يتبركون به، وقد بقيت شعرة واحدة مع الإمام أحمد بن حنبل ﵀، وكان دائمًا يتبرك بها، ويجعلها تحت عينيه، ويجعلها على لسانه، ويجعلها على بطنه؛ لأنه يعلم أنها شعرة من شعر النبي ﷺ؛ تبركًا بأثر من آثار رسول الله ﷺ.
وأيضًا: أبو موسى الأشعري وبلال ﵁ الله عنهما جاءا إلى النبي ﷺ يطلبان البشرى، فبشرهما النبي ﷺ، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه، ثم مج في الماء ودعا، ثم قال لهما: اشربا منه واغسلا وجهيكما به، تبركا به ﷺ.
وفوق ذلك، كانوا يتبركون ببول النبي ﷺ، بل ويتبركون بدم النبي ﷺ، وهذا هو الذي جعل بعض الفقهاء يقولون: إن بول النبي ﷺ طاهر، واستدلوا بحديث المرأة التي شربت بول النبي الله عليه وسلم، فأقرها ﷺ على ذلك، وهذا الإسناد فيه ضعف، لكن يستأنس به هنا.
وأيضًا: عبد الله بن الزبير ﵁ عندما احتجم النبي ﷺ فأعطاه دم الحجامة، فقال له: (ضعه في مكان لا يراه أحد، فأخذه، ثم أتى النبي ﷺ فقال: أخبأته؟ قال: نعم، وضعته في مكان لا يمكن لأحد أن يراه، فقال: أين وضعته؟ قال: وضعته في بطني)، أي: شربه، فقال له رسول الله ﷺ: (ويل للناس منك، وويل منك من الناس)، فإن صح الحديث فهذا أيضًا تبرك بأثر من آثار النبي ﷺ.
فالإجماع حاصل على أن التبرك بآثار النبي ﷺ جائز، ونقول: إن كان التبرك جائزًا بأثر من آثار النبي ﷺ فمن باب أولى جواز التبرك بذات النبي ﷺ، وبالجلوس معه، وببركة علمه ﷺ.
ويجب أن نعلم أن العلم أصبح الآن علمًا نظريًا فقط، وليس علمًا عمليًا، لأن رسول الله صلى الله عيله وسلم قد مات، وآثاره قد انتهت ولم يبق منها شيء، فلا نصدق من جاء ببعض الأشياء وقال: هذه من آثار النبي ﷺ، كالذي يقول إن معه نعال النبي ﷺ، أو الذي أتى بعصا وعمامة وقال: هذه عصا رسول الله ﷺ، فأنى لهم ذلك! فآثاره ﷺ كما قلنا قد انتهت، ولكن هذا من باب بيان جواز التبرك بآثاره ﷺ عندما كانت موجودة، وقد سبق الكثير من الأدلة على ذلك، ومنها كذلك: ما ورد عن الرجل الذي رأى النبي ﷺ وعليه إزار ورداء، فقال للنبي ﷺ: اكسونيها يا رسول الله! وكان النبي ﷺ أحوج ما يكون لهذا الرداء، وكانت إحدى النساء قد صنعته خصيصًا له ﷺ، ولما علمت من حاله ﷺ أنه ما عنده أكثر من رداء وإزار، والصحابة ﵁ الله عنهم لاموا هذا الرجل على صنيعه هذا، ولكن رسول الله ﷺ لما علم من أخلاقه وكرمه وبركته لم يكن ليرفض هذا الطلب، ولو كان حاله ما كان.
وكان النبي ﷺ لا يرد سائلًا بحال من الأحوال، فخلع رداءه وأعطاه للرجل، ثم بعد ذلك اعتذر هذا الرجل أمام الصحابة ﵁ الله عنهم وقال: أردت أن أكفن فيه، تبركًا بما مس جلد النبي ﷺ.
ومن الأدلة كذلك على جواز التبرك بذاته ﷺ وآثاره: ما ورد في إحدى الغزوات عندما سوى النبي ﷺ الصفوف، فإذا أحدهم خارج عن الصف فضربه بيده ﷺ على خاصرته أو على بطنه، فقال (يا رسول الله! أوجعنتي وأريد القصاص، فكشف النبي ﷺ عن بطنه ليقتص الصحابي منه)، ما أعظم هذا الموقف وما أروعه! عندما يتعامل القائد مع الرعية بهذا التعامل؛ فإن البركة تنزل من السماء، والنصر يأتي لا محالة، (فكشف النبي ﷺ عن بطنه، فقام الرجل فقبل بطن النبي ﷺ، فقال له رسول الله ﷺ: ما حملك على ذلك، قال: قد رأيت ما نحن فيه يا رسول الله نحن في الصف، فأردت أن يكون آخر ما أمسه في حياتي هو بطن النبي ﷺ، أي: أنه فعل ذلك تبركًا بالنبي ﷺ.
فالصحابة كانوا من أفقه الناس، وكانوا يتبركون بأثر النبي وبذات النبي ﷺ.
6 / 4