العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي
العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي
Maison d'édition
دار الكتاب والسنة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
Lieu d'édition
باكستان
Genres
الإسلام الحكمي:
قلت: وهذا العبد -والله أعلم- الذي يوصف بالإسلام الحكمي هو الذي ظاهره: التوحيد والانتهاء عن الشرك والتزام الفرائض. بيد أنه لا يرجو ثوابًا لفعلها ولا يخشى عقابًا من تركها وإنما يفعل الإسلام من باب متابعة الآباء المتابعة المحضة يرجو ثوابهم ويخشى عقابهم، ولولا هذا ما فعل وترك وهذا هو التقليد المذموم وهو قبول قول الغير بغير حجة وبرهان. بخلاف من قلّد في الحق واستسلم لله وحده لا شريك له لأنه دين الله يرجو ثوابه ويخشى عقابه ويعتقد وجوب متابعة نبيه، ﷺ، فهو يسأل ويتحرى ويقلِّد من أجل الفوز برضوان الله في الدنيا والآخرة، وليس لمتابعة دين الآباء أيًا كان هذا الدين، وإن لم يعلم أدلة المسائل التي قلدها فهذا لا ريب أنه مسلم بلا خلاف بين الأمة دون أهل الابتداع فلا يعتبر اختلافهم فيما هذا شأنه.
فالأول يبحث عن دين الآباء ومتابعته لهم ولا يبالي هل أصاب دين الله أم لا. وهو مقلِّد.
والثاني يبحث لكن عن دين الله ومتابعة نبيه، ﷺ، وهو أيضًا مقلِّد. ولكن هذا حقق الإسلام ظاهرًا وباطنًا والأول حقق الإسلام في الظاهر ما لم يتلبس بناقض ولم يحققه باطنًا وينطبق عليه الحديث الذي في البخاري -والله -تعالى- أعلم.
(أما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدري؛ كنت أقول ما يقول الناس) قال الحافظ وفيه ذم التقليد في الاعتقادات لمعاقبة من قال: كنت أسمع الناس يقولون شيئًا فقلته (١) اهـ.
وهذا الذي تحدث عنه ابن تيمية (من قبل) بقوله: لا يشفعون لمن قال هذه الكلمة تقليدًا للآباء والشيوخ.
ومن المعلوم بيقين أن المنافق سمع الناس يقولون أن محمدًا رسول الله، ﷺ، فقالها إلا أنه قالها متابعة للناس ولتحسين وتقبيح الآباء ولو كانوا قالوا عن مسيلمة الكذّاب -عليه لعنة الله- أنه رسول الله لتبعهم أيضًا.
(١) فتح الباري جـ: ٣ ص: ٢٨٤.
1 / 87