العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي
العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي
Maison d'édition
دار الكتاب والسنة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
Lieu d'édition
باكستان
Genres
ولم يقيدوا ذلك بالمعاند وهذا أمر واضح ولله الحمد (١) اهـ.
وبهذا يعلم فقه ابن عباس ﵄ عندما علّل ووقت اقتراف الشرك في قوم نوح بتنسخ العلم، فقال: فلم تعبد (أي الأصنام) حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت. فهؤلاء القوم كانوا بداية على التوحيد ومن نسل موحد ثم دب فيهم الشرك بنوع من الجهل والتأويل وتخرصًا وحسبانًا أنه يقربهم إلى الله زلفى بدعة من تلقاء أنفسهم لم ينزّل الله بها من سلطان، فأصبحوا مشركين، فعند هذا بعث الله إليهم نوحًا، ﵇، بشيرًا ونذيرًا ليقيم الحجة الموجبة للعذاب في الدارين لمن خالفها.
قال -تعالى- في سورة هود: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٢٥) أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦».
قال ابن كثير: يخبر -تعالى- عن نوح، ﵇، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه: (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ). أي: ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله ...
وقوله: (إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ). أي: إن استمررتم على ما أنتم عليه عذّبكم الله عذابًا إليمًا موجعًا شاقًا في الدار الآخرة اهـ.
قلت: وما يقال في قوم نوح، ﵇، يقال في كل أمة بين رسولين لأن الرسل ترسل لأقوامهم -المشركين الجاهلين- بالإسلام العام فيكفر أكثر أقوامهم ويؤمن لهم من وفقه الله للهداية ثم يفصل الله بينهم وبين أقوامهم، ويبقى الموحدون -بعد هلاك الكفار بالرسالات- ثم يمكثوا ما شاء الله لهم على التوحيد. حتى إذا تنسخ العلم لديهم دب فيهم الشرك وأتُوا من قبل جهلهم وتخرصهم على ربهم بغير سلطان لديهم من الله -جل ثناؤه- فعند هذا يبعث الله رسولًا ليخرجهم: من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجهل إلى العلم ويتوعدهم بالعذاب في الدارين إن استمروا على شركهم وكفرهم بعد الحجة الرسالية. وهذا لقوله -تعالى-: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: ١٦٥].
_________
(١) الانتصار لحزب الله الموحدين.
1 / 25